البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة النمل مكية

صفحة 574 - الجزء 2

  قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا} يعني التي ظن أنها نار وهي نور فلما رأى موسى النار وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع الشجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق لأنها لا تزداد النار إلا عظماً وتضرماً ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً؛ فعجب منها وهوى إليها بضغث فمالت إليه فخافها فتأخر عنها ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضع أمره إلى أنها مأمورة مسخرة إلى أن {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} يعني من البركة قال الشاعر:

  فبورك في بيتك وفي بيتهم ... إذا ذكروا ونحن لك الفداء

  وتقدير الكلام: بوركت النار و (من) زائدة، ومن حولها يراد به موسى {وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٨} استعانة بالله ø وتنزيهاً له وأما الكلام فإن الله تعالى خلق في الشجرة كلاماً حتى سمعه موسى #.

  قوله تعالى: {.. وَأَلْقِ عَصَاكَ} قيل إن موسى # ظن أن الله تعالى أمرها برفضها فرفضها {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} والجان الحية الصغيرة سميت بذلك لاجتنانها واستتارها وكانت العصا قد أعطاها إياه ملك من الملائكة حين توجه إلى مدين وكانت من عوسج واسمها ماشا {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} وهو مأخوذ من العقب أي لم يلتفت ولم يقف.

  قوله تعالى: {... وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} يعني فهماً وفصل القضاء بين الخصوم ومعرفة منطق الطير {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ١٥} وحمدهما شكراً لله على نعمه والذي فضلهما به على كثير من عباده المؤمنين النبوة والملك والعلم.