البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة النمل مكية

صفحة 580 - الجزء 2

  بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} أي مجلسك وسمي مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ٥١}⁣[الدخان]. {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩} أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجوهر.

  قوله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} وهو جبريل # {أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ} أي بالعرش {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} يعني قبل أن يعود إليك طرفك من مجلسك {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} قبل أن يرتد إليه طرفه قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} يعني وصول العرش إلي قبل أن يرتد إلي طرفي {لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} يعني أأشكر على العرش الذي أوتيته في سرعته أم أكفر فلا أشكر إذا رأيت من هو أعلى مني في الدنيا ثم أمره الله تعالى بالشكر فقال: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأن في الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ٤٠} أي غني عن الشكر كريم في النقصان وهذا معجزة لسليمان # أجراها سبحانه على يد من اختصه من أوليائه وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل إن الله خرق به الأرض حتى صار بين يدي سليمان #.

  قوله تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أي غيروه يعني بما كان عليه من اللباس غير الأول فجعل مكان الأحمر أبيض ومكان الأبيض أسود {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} يعني إلى الحق بعقلها {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١} أي لا يعقلون.

  {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} وإنما قالت ذلك لأنها خلفته فوجدته أمامها وكان معرفتها له تمنع من إنكارها وتركها له وراءها يمنع من إثباته، وقيل إنها وجدت فيه ما بدل وغير فلذلك لم تثبته