البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأحزاب مدنية

صفحة 639 - الجزء 2

  {.. قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} والمراد بالسوء العذاب وبالرحمة الخير والنعمة.

  {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} يعني المثبطين من المنافقين منهم عبدالله بن أبي وأصحابه {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} والقائلين لإخوانهم هم اليهود من بني قريظة قالوا للمنافقين هلم إليناأي ارجعوا إلينا وفارقوا محمداً فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر بكم لم يبق منكم أحد {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} أي القتال {إِلَّا قَلِيلًا ١٨} لأن إيمانهم ليس على وجه البر والتطوع فصار قليلا وكل فعل لم يكن لله تعالى وإن كثر فهو قليل.

  {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} يعني أشحة بالخير والإنفاق في سبيل الله تعالى {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} من رسول الله ÷ أنه غلب {رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة، ويحتمل أن يكون المعنى تدور أعينهم لشدة خوفهم حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يعني رموكم بألسنة ردية حداد ومنه قول النبي ÷: «لعن الله السالقة والخارقة والحالقة» فالسالقة هي التي ترفع صوتها بالنياحة، والخارقة هي التي تخرق ثوبها في المصيبة والحالقة هي التي تحلق شعرها، والمعنى في سلقهم بألسنة حداد أنهم يجادلون في أنفسهم جدال الباطل {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} يعني به المال لأنهم شحوا بإنفاقه في سبيل الله وعمل الخير {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} أي أحبط حساب أفعالهم وإنما الإحباط للثواب على الحقيقة في الحسنات لا لنفس الحسنات لأنهم لم يعملوا أعمالهم ابتغاء وجه الله {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ١٩} أي كان إحباط ثواب حسناتهم على الله يسيرا.

  قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} يعني أن المنافقين يحسبون