البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة فاطر مكية

صفحة 666 - الجزء 2

  يهلك والبوار الهلاك.

  قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} يعني آدم {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني نسله {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} يعني ذكراناً وإناثاً فالواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ٤٥}⁣[النجم].

  {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} أي بأمره {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} معناه ما يمد في عمر معمر حتى يصير هرماً ولا ينقص من عمره حتى يموت طفلاً إلا في كتاب أي في علم الله سبحانه {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ١١} يعني إن زيادة المعمر ونقصان عمر الآخر على الله يسير.

  قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} يعني ما يستويان في انتفاع الناس بهما {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} والفرات هو العذب وذكره تأكيداً لاختلاف اللفظين كما يقال: هذا حسن جميل {سَائِغٌ شَرَابُهُ} أي ماؤه {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي مر مأخوذ من أجت النار كأنه يخرج من شدة المرارة {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} يعني اللحم الحيتان {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} يعني اللؤلؤ والمرجان {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} وهي التي تمخر الماء أي تشقه بجريها شقاً {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} يعني بالتجارة في الفلك {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ١٢} على ما آتاكم من نعمه.

  قوله تعالى: {... وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا تحمل نفس ما عملته نفس أخرى من ذنوبها ومنه الوزير لأنه يتحمل أثقال الملك بتدبيره {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} والمثقلة هي التي أثقلتها الذنوب، ومعنى الكلام أن النفس المثقلة بالذنوب إذا دعت يوم القيامة