البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الزمر مكية

صفحة 699 - الجزء 2

  اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}⁣[الزمر: ٢٢]، على مثل هذا {ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} وقائماً نصب على قوله لبثت ساجداً مرة وقائماً مرة إني مطيع في الحالين، ولو رفع كما رفع قانت جاز والقنوت الطاعة عن الكلبي في قوله: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ١٩} يقال: كيف اجتمع استفهامان في معنى واحد؟ يقال: هذا مما يراد به استفهام فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه الذي هو له وإنما المعنى والله أعلم: أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب عليه ومثله من غير استفهام: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ٣٥}⁣[المؤمنون]، والمعنى والله أعلم أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، ومثله قوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨٨}⁣[آل عمران].

  وقوله: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وعن ذكر الله ويقال في الكلام: أتخمت من طعام أكلته وعن طعام أكلته سواء في المعنى وكأن قوله: قست قلوبهم من ذكر الله لأنهم جعلوه كذباً فأقسى الله قلوبهم زاد قلوبهم قسوة، وكأن من قال: قست عنه.

  {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} عن الكلبي: متشابهاً أي غير مختلف لا ينقض بعضه بعضاً {مَثَانِيَ} يكرر فيه ذكر الثواب والعقاب {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} من آية العذاب {ثُمَّ تَلِينُ} عند نزول آية الرحمة.

  {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يقال إن الكافر ينطلق به إلى الخزنة إلى النار مغلولاً فيقذف به في النار فلا يتقيها إلا بوجهه وجوابه من المضمر الذي ذكرت لك.

  {... فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن