شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

ترجمة العلامة الراحل محمد محيى الدين عبد الحميد

صفحة 19 - الجزء 1

  يشفي العلة ويبرئ السقم، ولا عجب بعد ذلك أن يتطرق به الحديث كلما تحدث أو كتب عن واحد من تلك القضايا أو عنها جميعا، ولكيما ندنيك من اليقين بصدق ما قدمنا فلتنصت إليه وهو يحدثك:

  «أما بعد؟ فإن بي من حب العربية والشغف بها ما يدفعني إلى احتمال المصاعب، والرضا بركوب المخاطر والأهوال، وبذل النفيسين: الوقت والراحة، وإني لأجد من السرور بهذا ما لا يبلغ معشاره غريب ألقى بين أهله عصا الترحال، أو محبّ لقي حبيبه بعد طول افتراق، وواصله بعد طول تجنّ وصدود، وقد أخذت على عاتقي أن أقوم لهذه اللغة بما يسعه جهدي من خدمة، فلم أجد أنبل مقصدا، ولا أسمى غرضا، ولا أقرب عند الله قبولا، من أن أتوفر على كتب أسلافنا من علماء هذه اللغة، فأحققها وأحاول ردها إلى الصورة التي خرجت عليها من أيدي مؤلفيها قبل أن يصيبها تحريف النسّاخ وتصحيف الناشرين، أو مسخهم.

  وأردت أن أجمع بذلك بين خلال أربع:

  أولاها: أن أبتعد عن الغرور بالنفس والتفاخر بالتأليف.

  وثانيتها: أن أظهر شباب هذه الأمة على تراثنا الذي ورثناه عن آباء لنا كانوا قادة العالم وأهل الرأي فيه، يوم كان الناس كلهم يتيهون في بيداوات الجهالة، ويعيشون عيش السائمة والأنعام، وأنا أعلم أن شبابنا اليوم ليس لهم الصبر والجلد على قراءة هذه الذخائر في منظرها الذي يختاره لهم الورّاقون وتجار الكتب، وإن من حسن الرأي أن نضع بين أيديهم كتبا بهيجة المنظر بديعة الرواء؛ ليقبلوا عليها، وينتفعوا بما فيها من علم.

  وثالثتها: أن أثبت لهؤلاء الذين ينتقصون من قدر آبائنا وينالون منهم أن لأولئك الآباء من المجد والمنزلة ما يفاخر به الأبناء، وليس يضير الغادة الهيفاء ضنانة أهلها وبخلهم ولؤم أنفسهم، ولا يغض من جمالها أن تظهر في أطمار مهلهلة، ولكن على من تكون من نصيبه أن ينفض عنها غبار الإهمال ويجلوها في فاخر الديباج، ليظهر له بديع ما أودعها الله من فتنة وجمال.

  ورابعتها: أن أنفي عن نفسي تهمة التقصير في وقت نحن أحوج ما نكون إلى