التاسع من المنصوبات: المستثنى
  فالياء في موضع نصب؛ بدليل لحاق نون الوقاية قبلها، وحكى الجرميّ، والرّبعيّ، والأخفش الجرّ بعد ما خلا وما عدا، وهو شاذ؛ فلهذا لم أحفل بذكره في المقدمة.
  فإن قلت: لم وجب عند الجمهور النصب بعد «ما خلا» و «ما عدا»؟ وما وجه الجر الذي حكاه الجرمي والرجلان؟
  قلت: أما وجوب النصب فلأن «ما» الداخلة عليهما مصدرية، و «ما» لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، وأما جواز الخفض فعلى تقدير «ما» زائدة لا مصدرية، وفي ذلك شذوذ؛ فإن المعهود في زيادة «ما» مع حرف الجر: أن لا تكون قبل الجار والمجرور، بل بينهما، كما في قوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ}[المؤمنون - ٤٠] {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ}[المائدة - ١٣] {مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا}[نوح - ٢٥].
  وقولي «مطلقا»(١) راجع إلى المسائل الأربع، أي: سواء تقدّم الإيجاب أو النفي أو شبهه.
  الخامسة: أن تكون الأداة «إلا» وذلك في مسألتين:
  إحداهما: أن تكون بعد كلام تام موجب، ومرادي بالتام أن يكون المستثنى منه
منصوب بيهوى، والتقدير: بكل الذي يهواه نديمي، «مولع» خبر إن مرفوع بالضمة الظاهرة.
الشّاهد فيه: قوله «ما عداني» فإن عدا في هذا الموضع فعل.
والدليل على أن «عدا» ههنا فعل - وليست حرفا - أمران:
أولهما: سبقها بما المصدرية، على النحو الذي قررناه في الشاهد السابق.
وثانيهما: مجيء نون الوقاية قبل ياء المتكلم، وقد علم أن نون الوقاية لا تجيء إلا مع الأفعال، نحو ضربني ويضربني واضربني، فأما مع الحرف فإنها تمتنع إلا مع من وعن خاصة تقول: لي، عليّ، إليّ؛ فلو أن الشاعر لحظ أن عدا حرف كهذه الحروف لقال «عداي» فلما قال «عداني» علمنا أنه اعتبره فعلا، وهذا واضح إن شاء الله.
وإذا ثبت أن «عدا» فعل، وكان من المسلم به أن فاعل هذا الفعل مستتر فيه وجوبا على ما سبق
(١) هو في قوله أول الباب «التاسع المستثنى بليس أو بلا يكون أو بما خلا أو بما عدا - مطلقا».