وتضمر أن بعد أربعة من حروف العطف
  استئنافه يقدر مبنيّا على مبتدأ محذوف؛ فيجب الرفع أيضا؛ لخلوّ الفعل عن الناصب والجازم؛ فتقول: «ما تأتيني فأكرمك» بمعنى فأنا أكرمك لكونك لم تأتني، وذلك إذا كنت كارها لإتيانه، ويوضّح هذا أنك تقول: «ما زيد قاسيا فيعطف على عبده» أي: فهو لانتفاء القسوة عنه يعطف على عبده.
  والفرق بين هذا الوجه والذي قبله واضح؛ لأن الوجه الأول شمل النفي فيه ما قبل الفاء وما بعدها، وهذا الوجه انصبّ النفي فيه إلى ما قبل الفاء خاصة دون ما بعدها، وذلك لأنك لم تجعل الفاء لعطف الفعل الذي بعدها على المنفي الذي قبله فيكون شريكه في النفي، وإنما أخلصتها للسببية.
  ويذكر النحويون هذين الوجهين في قولك «ما تأتينا فتحدثنا» وهذا سهو؛ إذ يستحيل أن ينتفي الإتيان ويوجد الحديث، والصواب ما مثلت لك به.
  الثالث: أن تقدر الفاء عاطفة لعطف مصدر(١) الفعل الذي بعدها على المصدر المؤول مما قبلها، وتقدر النفي منصبّا على المعطوف دون المعطوف عليه؛ فيجب حينئذ النصب بأن مضمرة وجوبا، والتقدير: ما يكون منك إتيان فإكرام مني، أي: ما يكون منك إتيان فيعقبه مني إكرام، بل يكون منك إتيان ولا يكون مني إكرام.
  الرابع: أن تقدر أيضا الفاء لعطف مصدر الفعل الذي بعدها على المصدر المؤول مما قبلها، ولكن تقدر النفي منصبّا على المعطوف عليه، فينتفي المعطوف لأنه مسبّب عنه، وقد انتفى، ويكون معنى الكلام: ما يكون منك إتيان فكيف يكون مني إكرام؟
  وهذان الوجهان سائغان في «ما تأتينا فتحدثنا» إذ يصح أن يقال: ما تأتينا محدّثا بل تأتينا غير محدث، وأن يقال: ما تأتينا فكيف تحدثنا؟
  وتلخص أن لنا في الرفع وجهين، وفي النصب وجهين.
  فإن قلت: هل يجوز أن يقرأ: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}[المرسلات - ٣٦] بالنصب على أحد الوجهين المذكورين للنصب؟
(١) في هذه العبارة نوع قلق، ولو قال: «عاطفة لمصدر الفعل الذي بعدها» كما قال في الوجه الرابع لكان ذلك خيرا مما قاله هنا.