شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

وتضمر أن بعد أربعة من حروف العطف

صفحة 324 - الجزء 1

  قلت: نعم يجوز على الوجه الثاني، وهو ما تأتينا فكيف تحدثنا، أي: لا يؤذن لهم بالاعتذار فكيف يعتذرون؟ ويمتنع على الوجه الأول - وهو ما تأتينا محدثا بل تأتينا غير محدث - ألا ترى أن المعنى حينئذ لا يؤذن لهم في حالة اعتذارهم، بل يؤذن لهم في غير حالة اعتذارهم، وليس هذا المعنى مرادا.

  فإن قلت: فإذا كان النصب في الآية جائزا على الوجه الذي ذكرته، فما باله لم يقرأ به أحد من القرّاء المشهورين؟

  قلت: لوجهين؛ أحدهما: أن القراءة سنّة متّبعة، وليس كل ما تجوّزه العربية تجوز القراءة به، والثاني: أن الرفع هنا بثبوت النون فيحصل بذلك تناسب رؤوس الآي، والنصب بحذفها فيزول [معه] التناسب.

  ومن مجيء النصب بعد النفي قول الله ø: {لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}⁣[فاطر، ٣٦] والنصب هنا على معنى قولك: ما تأتينا فكيف تحدثنا، لا على معنى قولك: ما تأتينا محدثا بل غير محدث.

  ولو قلت «ما تأتينا إلا فتحدثنا» أو «ما تزال تأتينا فتحدثنا» وجب الرفع، وذلك لأن النفي في المثال الأول قد انتقض بإلّا، وفي المثال الثاني هو داخل على زال وزال للنفي، ونفي النفي إيجاب.

  وأما الأمر فكقوله:

  ١٥٠ - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا

  وشرطه أمران؛ أحدهما: أن يكون بصيغة الطلب؛ فلو قلت «حسبك حديث فينام الناس» - بالنصب - لم يجز، خلافا للكسائي، والثاني: أن لا يكون بلفظ اسم


١٥٠ - هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، لأبي النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٢١) وقد أنشده المؤلف في أوضح المسالك (رقم ٥٠٠) وفي القطر (رقم ١٨) وأنشده أيضا الأشموني في باب إعراب الفعل، وابن عقيل (رقم ٣٣٤).

اللّغة: «ناق» مرخم ناقة، «عنقا» بفتح العين والنون جميعا - ضرب من السير السريع، «فسيحا» واسع الخطى، «سليمان» هو سليمان بن عبد الملك بن مروان، «فنستريحا» نلقي عنا تعب السفر.