شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

وتضمر أن بعد أربعة من حروف العطف

صفحة 332 - الجزء 1

  وينتصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا؛ لا وجوبا؛ بعد أربعة أحرف، وهي: الفاء، وثم، والواو، وأو، وذلك إذا عطفن على اسم صريح.

  مثال ذلك بعد «أو» قول الله تعالى: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ}⁣[الشورى، ٥١] يقرأ في السبع برفع (يرسل) ونصبه، وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ |: قرئ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي}⁣[هود، ٨٠] بنصب (آوي) ولا وجه له، وردّ عليه ابن جني في محتسبه وغيره، وقالوا: وجهها كوجه قراءة أكثر السبعة {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} بالنصب، وذلك لتقدم الاسم الصريح، وهو (قوّة) فكأنه قيل: لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد.

  ومثال ذلك بعد الواو قول ميسون بنت بحدل:

  ١٥٦ - للبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف


السابق، وضمير المخاطبين مضاف إليه، «المودة» اسم يكون «والإخاء» معطوف عليه.

الشّاهد فيه: قوله «ويكون» حيث نصب الفعل المضارع، الذي هو قوله يكون، بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية الواقعة في جواب الاستفهام.

واعلم أن ههنا ثلاثة أشياء، الأول: أن الرواة متفقون على رواية هذا البيت بنصب «ويكون» والثاني: أن العلماء يختلفون في جواز نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية وواو المعية في جواب الاستفهام التقريري، فمنهم من قال: نصب المضارع في جواب الاستفهام خاص بالاستفهام الحقيقي، والثالث: أن الاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب من يرى التسوية بين الاستفهام التقريري والاستفهام الحقيقي، فأما على رأي من قال: ينتصب المضارع بعد الفاء أو الواو في جواب الاستفهام الحقيقي - فلا يكون في هذا البيت شاهد لما نحن فيه، ويكون انتصاب «يكون» بعد الواو في جواب النفي، وهو شاهد غير الذي أنشد الشارح البيت من أجله.

والخلاصة أن «يكون» في هذا البيت منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية البتة، غاية ما في الباب أنه في جواب الاستفهام عند قوم، وفي جواب النفي عند قوم آخرين، ومن هنا تعرف السر في اتفاق الرواة على النصب.

١٥٦ - هذا بيت من الوافر لامرأة اسمها ميسون بنت بحدل، وكانت امرأة من أهل البادية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان ونقلها إلى الحاضرة فكانت تكثر من الحنين إلى أهلها، ويشتد بها