شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

لأفعال القلوب ثلاث حالات

صفحة 381 - الجزء 1

  يروى بنصب «موجعات» بالكسرة عطفا على محل قوله «ما البكى» ومن ثم سمى ذلك تعليقا؛ لأن العامل ملغى في اللفظ وعامل في المحل؛ فهو عامل لا عامل، فسمى معلّقا، أخذا من المرأة المعلقة التي [هي] لا مزوّجة ولا مطلّقة، ولهذا قال ابن الخشاب: لقد أجاد أهل هذه الصناعة في وضع هذا اللّقب لهذا المعنى.

  ولنشرح ما تقدم الوعد بشرحه من الأفعال التي تتعدّى إلى مفعولين أولهما مسرّح دائما: أي مطلق من قيد حرف الجر، والثاني تارة مسرّح منه وتارة مقيّد به، وقد ذكرت منها في المقدّمة عشرة أفعال.

  أحدها: «أمر» قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}⁣[البقرة - ٤٤] وقال الشاعر:


شواهد المؤلف في أوضحه (رقم ١٨٨) وفي القطر (رقم ٧٤) وأنشده الأشموني في باب ظن وأخواتها (رقم ٣٣٨).

الإعراب: «ما» نافية، «كنت» كان: فعل ماض ناقص، وتاء المتكلم اسمه، «أدري» فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل نصب خبر كان «قبل» ظرف زمان منصوب بأدري، وقبل مضاف و «عزة» مضاف إليه، «ما» اسم استفهام مبتدأ «البكى» خبر المبتدأ، وجملة هذا المبتدأ والخبر في محل نصب بأدري، «ولا» الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي، «موجعات» معطوف على محل جملة «ما البكى» منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة، وموجعات مضاف، و «القلب» مضاف إليه، «حتى» حرف غاية وجر، «تولت» تولى: فعل ماض والتاء علامة التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي، وقبل تولت أن مصدرية محذوفة تسبك بمصدر يقع مجرورا بحتى، والجار والمجرور متعلق بأدري.

الشّاهد فيه: قوله «أدري ما البكى ولا موجعات» فإن أدري فعل مضارع من شأنه أن ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر؛ وقوله «ما البكى» جملة من مبتدأ وخبر؛ فكان حق الفعل أن يعمل في لفظ أو محل المبتدأ والخبر النصب، لكن لما كان المبتدأ اسم استفهام، وكان اسم الاستفهام لا يجوز أن يعمل فيه ما قبله لأنه ملازم للتصدر؛ لهذه الأسباب لم يعمل الفعل في لفظ المبتدأ والخبر النصب، وعمل في محلهما، والدليل على أنه عمل في محلهما أنه عطف عليهما قوله «موجعات» بالنصب بالكسرة، والمعطوف يجب أن يكون كالمعطوف عليه في إعرابه، كما هو معلوم لك؛ فيدل نصب المعطوف على أن المعطوف عليه منصوب، ولما لم يكن المعطوف عليه منصوبا لفظا ولا تقديرا فإنا نثق بأنه منصوب محلا، وليس في هذا ما يدعو إلى الإطالة بالشرح والإيضاح، فافهم.