شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

التنازع

صفحة 428 - الجزء 1

  والثاني مبنيّ للمفعول، وفي التنزيل: {ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ}⁣[البقرة، ٢٨٢]، وهما من أقسط إذا عدل ومن أقام الشهادة، وسيبويه يقيس ذلك إذا كان المزيد فيه أفعل.

  وفهم من قولي «ولا ينقاس» أنه قد يبنى من غير ذلك بالسماع دون القياس، كما بينته.

  ثم قلت: باب - وإذا تنازع من الفعل أو شبهه عاملان فأكثر ما تأخّر من معمول فأكثر، فالبصريّ يختار إعمال المجاور، فيضمر في غيره مرفوعه ويحذف منصوبه إن استغنى عنه، وإلّا أخّره، والكوفيّ الأسبق، فيضمر في غيره، ما يحتاجه.

  وأقول: لما فرغت من ذكر العوامل أردفتها بحكمها في التنازع، ويسمى هذا الباب باب التنازع، وباب الإعمال.

  والحاصل أنه يتأتى تنازع عاملين، وأكثر، في معمول واحد وأكثر، وأن ذلك [جائز] بشرطين؛ أحدهما: أن يكون العامل من جنس الفعل أو شبهه من الأسماء؛ فلا تنازع بين الحروف⁣(⁣١) ولا بين الحرف وغيره، والثاني: ألا يكون المعمول متقدما، ولا متوسطا، بل متأخرا؛ فلا تنازع في نحو: «زيدا ضربت وأكرمت» لتقدمه، ولا في نحو «ضربت زيدا وأكرمت» لتوسطه، وجوز ذلك بعضهم فيهما⁣(⁣٢).


(١) أجاز ابن العلج التنازع بين الحرفين، مستدلا بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}⁣[سورة البقرة، الآية: ٢٤]، ويقول الشاعر:

حتّى تراها وكأنّ وكأن ... أعناقها مشدّدات بقرن

فزعم في الآية أن «إن» الشرطية و «لم» النافية تنازعا الفعل الذي بعدهما، وهو «تفعلوا» ورد ذلك عليه بأن إن تطلب فعلا مثبتا، ولم تطلب فعلا منفيا، ومن شرط التنازع الاتحاد في المعنى، والذي في البيت الذي أنشده من باب التوكيد وليس من باب التنازع.

(٢) الضمير المثنى في قوله «فيهما» يعود إلى المعمول المتقدم، والمعمول المتوسط بين العاملين.

أما الذين أجازوا أن يتنازع العاملان في المعمول المتقدم فهم المغاربة من النحاة، ومال المحقق الرضي في شرح الكافية إليه، بشرط أن يكون المعمول منصوبا، وهاك نص عبارته، وقد يتنازع العاملان فيما قبلهما إذا كان منصوبا، نحو «زيدا ضربت وقتلت، وبك قمت وقعدت» اه، ومن تمثيله تفهم أنه أراد بالمنصوب ما يعم المنصوب لفظا وهو المفعول به، ومعنى وهو الجار والمجرور، وقد عرفت فيما تقدم أن الجار والمجرور مفعول به في المعنى. =