شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الاشتغال

صفحة 433 - الجزء 1

  ومن ثمّ قلنا في قوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً}⁣[الكهف، ٩٦] إنه أعمل الثاني، لأنه لو أعمل الأول لوجب أن يقال «آتوني أفرغه عليه قطرا» وكذا بقية آي التنزيل الواردة من هذا الباب⁣(⁣١).

  ثم قلت: باب - إذا شغل فعلا أو وصفا ضمير اسم سابق أو ملابس لضميره عن نصبه وجب نصبه بمحذوف مماثل للمذكور إن تلا ما يختصّ بالفعل كإن الشّرطيّة وهلّا ومتى، وترجّح إن تلا ما الفعل به أولى كالهمزة وما النّافية أو عاطفا على فعليّة غير مفصول بأمّا نحو {أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ} أو كان المشغول طلبا، ووجب رفعه بالابتداء إن تلا ما يختصّ به كإذا الفجائيّة، أو تلاه ما له الصّدر ك «زيد هل رأيته» وهذا خارج عن أصل هذا الباب، مثل {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} و «زيد ما أحسنه»، وترجّح في نحو «زيد ضربته»، واستويا في نحو «زيد قام وعمرا أكرمته».

  وأقول: هذا الباب المسمى بباب الاشتغال، وحقيقته: أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه عامل، هو فعل أو وصف، وكل من الفعل والوصف المذكورين مشتغل عن نصبه له بنصبه لضميره لفظا ك «زيدا ضربته» أو محلا ك «زيدا مررت به» أو لما لابس ضميره، نحو: «زيدا ضربت غلامه» أو «مررت بغلامه».

  والاسم في هذه الأمثلة ونحوها أصله أن يجوز فيه وجهان؛ أحدهما: أن يرفع على الابتداء؛ فالجملة بعده في محل رفع على الخبرية، والثاني: أن ينصب بفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل المذكور؛ فلا موضع للجملة بعده لأنها مفسرة.


أنك إذا أعملت الأول أضمرت في الثاني كل شيء يحتاجه؛ لأنه لا يلزم على الإضمار في الثاني محذور، بخلاف إعمال الثاني مع الإضمار في الأول، فإنه يلزم عليه عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، فاغتفرناه في المرفوع لشدة الحاجة إليه، ولم نغتفره في غيره؛ لعدم الحاجة إليه، على ما سبق بيانه في شرح الشاهد السابق ص ٤٣٢ الماضية، وليس بعد ذلك إيضاح، فتفهمه، والله يرشدك.


(١) يريد أن أسلوب القرآن الكريم جرى على إعمال العامل الثاني في كل ما ورد فيه مما يسميه النحاة باب التنازع.