شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الاشتغال

صفحة 434 - الجزء 1

  وفهم من قولي «فعل أو وصف» أن العامل إن لم يكن أحدهما لم تكن المسألة من باب الاشتغال، وذلك نحو: «زيد إنّه فاضل» و «عمرو كأنه أسد» وذلك لأن الحرف لا يعمل فيما قبله، وكذلك نحو: «زيد دراكه» و «عمرو عليكه» لأن اسم الفعل لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، من ثمّ لم يجز النصب على الاشتغال في نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}⁣[القمر، ٥٢] وقولك «زيد ما أحسنه»؛ لأن «فعلوه» صفة، والصفة لا تعمل في الموصوف، وفعل التعجب جامد، فهو شبيه بالحرف فلا يعمل فيما قبله، لا سيما وبينهما «ما» التعجبية، ولها الصّدر، وكذلك «زيد أنا الضّاربه» لأن أل موصولة، فلا يتقدم عليها معمول صلتها.

  ثم الاسم الذي تقدّم، وبعده فعل أو وصف، وكل منهما ناصب لضميره أو لسببيه ينقسم خمسة أقسام:

  (١) أحدها: ما يترجّح نصبه، وذلك في ثلاث مسائل:

  إحداها: أن يكون الفعل المشغول طلبا، نحو: «زيدا اضربه» و «عمرا لا تهنه».

  الثانية: أن يتقدم عليه أداة يغلب دخولها على الفعل، نحو: {أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ}⁣[القمر - ٢٤].

  الثالثة: أن يقترن الاسم بعاطف مسبوق بجملة فعلية لم تبن على مبتدأ، كقوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٤ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ}⁣[النحل، ٤ و ٥].

  (٢) الثاني: ما يترجّح رفعه بالابتداء، وذلك فيما لم يتقدم عليه ما يطلب الفعل وجوبا أو رجحانا، نحو: «زيد ضربته» وذلك لأن النصب محوج إلى التقدير ولا طالب له، والرفع غني عنه، فكان أولى، لأن التقدير خلاف الأصل، ومن ثمّ منعه بعض النحويين، ويرده أنه قرئ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها}⁣[الرعد - ٢٣] {سُورَةٌ أَنْزَلْناها}⁣[النور - ١] بنصب «جنّات» و «سورة».

  (٣) الثالث: ما يجب نصبه، وذلك فيما تقدم عليه ما يطلب الفعل على سبيل الوجوب، نحو: «إن زيدا رأيته فأكرمه».