شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الرابع: البدل

صفحة 445 - الجزء 1

  لأن نصرا الثاني مرفوع، والثالث منصوب، فلا يجوز فيهما أن يكونا بدلين؛ لأنه لا يجوز «يا نصر» بالرفع، ولا «يا نصرا» بالنصب، قالوا: وإنما نصر الأول عطف بيان على اللفظ، والثاني عطف بيان على المحل، واستشكل ذلك ابن الطراوة؛ لأن الشيء لا يبين نفسه، قال: وإنما هذا من باب التوكيد اللفظي، وتابعه على ذلك المحمدان ابنا مالك ومعطي.

  فإن قلت: «يا سعيد كرز» بضم «كرز» وجب كونه بدلا، وامتنع كونه بيانا؛ لأن البدل في باب النداء حكمه حكم المنادى المستقلّ و «كرز» إذا نودي ضم من غير تنوين، وأما البيان المفرد التابع لمبني فيجوز رفعه ونصبه، ويمتنع ضمه من غير تنوين، ومثله في ذلك النعت والتوكيد، نحو: «يا زيد الفاضل» و «الفاضل» و «يا تميم أجمعون» و «أجمعين».

  وكذلك يمتنع البيان في قولك «قرأ قالون عيسى» ونحوه مما الأول فيه أوضح من الثاني، وإنما قال العلماء في قوله تعالى: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ ٤٧ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ}⁣[الشعراء، ٤٧ و ٤٨] إنه بيان؛ لأن فرعون كان قد ادعى الربوبية، فلو اقتصروا على قولهم {بِرَبِّ الْعالَمِينَ} لم يكن ذلك صريحا في الإيمان بالرب الحق سبحانه وتعالى.

  ثم قلت: الرّابع البدل، وهو: التّابع المقصود بالحكم بلا واسطة، وهو إمّا بدل كلّ نحو: {صِراطَ الَّذِينَ} أو بعض نحو: {مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} أو اشتمال نحو: {قِتالٍ فِيهِ} أو إضراب نحو: «ما كتب له نصفها ثلثها ربعها» أو نسيان أو غلط ك «جاءني زيد عمرو» و «هذا زيد حمار» والأحسن عطف هذه


عليه حرف النداء وجب بناؤه على الضم؛ لكن عطف البيان ليس كذلك؛ بل يجوز فيه الإتباع على اللفظ فيؤتى به مرفوعا منونا كالأول من الاثنين؛ والإتباع على المحل فيؤتى به منصوبا منونا كالثاني؛ فمن أجل ذلك صح في هذا البيت بخصوصه أن يكون «نصر نصرا» عطف بيان، ولم يصح جعل واحد منهما بدلا.