شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

التوابع خمسة:

صفحة 448 - الجزء 1

  وإبدال الظاهر من المضمر فيه تفصيل، وذلك أن الظاهر إن كان بدلا من ضمير غيبة جاز مطلقا، كقوله تعالى: {وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}⁣[الكهف، ٦٣] ف «أن أذكره» بدل من الهاء في «أنسانيه» بدل اشتمال، ومثله {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ}⁣[مريم، ٨٠]، وقول الشاعر:

  ١١٧ - على حالة لو أنّ في القوم حاتما ... على جوده لضنّ بالماء حاتم⁣(⁣١)

  إلا أن هذا بدل كلّ من كلّ.

  وإن كان ضمير حاضر، فإن كان البدل بعضا أو اشتمالا جاز، نحو: «أعجبتني وجهك» و «أعجبتني علمك» وقوله:

  ٢٣٢ - أوعدني بالسّجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم


٢٣٢ - هذا بيت من الرجز، أو بيتان من مشطوره، وقد نسب العيني تبعا لياقوت هذا الشاهد إلى العديل بن الفرخ، وكان من حديثه أنه هجا الحجاج بن يوسف الثقفي، فلما خاف أن تناله يده هرب إلى بلاد الروم، واستنجد بالقيصر، فحماه، فلما علم الحجاج بأمره بعث إلى القيصر يتهدده؛ فأرسله إليه، والبيت من شواهد ابن عقيل (رقم ٢٩٩).

اللّغة: «أوعدني» تهددني بشر، «السجن» الحبس، «الأداهم» جمع أدهم وهو القيد، «شثنة» غليظة، «المناسم» جمع منسم - بزنة مجلس - وأصله طرف خف البعير، فاستعمله في الإنسان، وإنما حسن ذلك أنه أراد وصف رجليه بالقوة والجلادة والصبر على احتمال القيد.

الإعراب: «أوعدني» أوعد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، «بالسجن» جار ومجرور متعلق بأوعد، «والأداهم» الواو عاطفة، والأداهم: معطوف


(١) قد سبق شرح هذا الشاهد شرحا وافيا لا تحتاج معه إلى إعادة شيء من القول عليه في هذا الموضع، فانظره إن شئت في (ص ٢٧٠) من هذا الكتاب، ولكنا نبين لك ههنا أن استشهاد المؤلف بهذا البيت للموضع الذي نحن فيه الآن لا يتم إلا على هذه الرواية التي ذكرها مع جر «حاتم» في آخر البيت؛ لأن القصيدة كلها مجرورة القوافي كما قدمنا بيانه، ويكون قوله «حاتم» بالجر بدلا من الضمير الذي أضيف إليه الجود في قوله «على جوده» ونحن في الموضع الذي أحلناك عليه قد ذكرنا هذا الوجه على وجه يشعر بضعفه، وجعلنا «حاتم» فاعلا لضن، والتزمنا أن يكون في البيت إقواء، ثم ذكرنا لك الرواية الصحيحة في هذا البيت بالرجوع بك إلى ديوان الشاعر ورواية الأثبات من العلماء، وهذه الرواية الصحيحة تخرج البيت عن الاستشهاد به لما هنا، وتنفي عنه عيب الإقواء أيضا، وانظر مع ذلك كله كامل المبرد (ج ١ ص ١٣٨).