شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الخامس: عطف النسق

صفحة 452 - الجزء 1

  معيّة، بل هي صالحة بوضعها لذلك كله؛ فمثال استعمالها في مقام الترتيب قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ}⁣[النساء - ١٦٣] ومثال استعمالها في عكس الترتيب نحو {وَعِيسى وَأَيُّوبَ}⁣[النساء - ١٦٣] {كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ}⁣[الشورى - ٣] {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}⁣[البقرة - ٢١] {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}⁣[آل عمران، ٤٣]، ومثال استعمالها في المصاحبة نحو {فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}⁣[الشعراء، ١١٩]، ونحو {فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ}⁣[القصص - ٤٠] ونحو {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ}⁣[البقرة - ١٢٧].

  ومثال إفادة الفاء للترتيب والتعقيب، وثمّ للترتيب والمهلة قوله تعالى: {أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ}⁣[عبس، ٢١ و ٢٢]، فعطف الإقبار على الإماتة بالفاء، والإنشار على الإقبار بثم، لأن الإقبار يعقب الإماتة، والإنشار يتراخى عن ذلك.

  ومعنى «حتى» للغاية، وغاية الشيء: نهايته، والمراد أنها تعطف ما هو نهاية في الزيادة أو القلّة، والزيادة إما في المقدار الحسي، كقولك: «تصدّق فلان بالأعداد الكثيرة حتى الألوف الكثيرة» أو في المقدار المعنوي، كقولك: «مات النّاس حتى الأنبياء» وكذلك القلة تكون تارة في المقدار الحسي، كقولك: «الله - سبحانه وتعالى - يحصى الأشياء حتى مثاقيل الذّرّ» وتارة في المقدار المعنوي، كقولك: «زارني النّاس حتى الحجّامون».

  و «أم» على قسمين: متصلة، ومنقطعة، وتسمى أيضا منفصلة.

  فالمتصلة هي: المسبوقة إما بهمزة التسوية، وهي: الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}⁣[البقرة، ٦ ويس، ١٠] ألا ترى أنه يصح أن يقال: سواء عليهم الإنذار وعدمه، أو بهمزة يطلب بها وبأم التعيين، نحو: «أزيد في الدّار أم عمرو» وسميت «أم» في النوعين متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.

  والمنقطعة: ما عدا ذلك، وهي بمعنى بل، وقد تتضمن مع ذلك معنى الهمزة، وقد لا تتضمنه.