شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

للكلام في اللغة ثلاثة معان

صفحة 53 - الجزء 1

  والثالث: ما تحصل به الفائدة، سواء كان لفظا، أو خطّا، أو إشارة، أو ما نطق به لسان الحال، والدليل على ذلك في الخط قول العرب: «القلم أحد اللّسانين» وتسميتهم ما بين دفّتي المصحف «كلام الله»⁣(⁣١)، والدليل عليه في الإشارة قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً}⁣[آل عمران، ٤١]، فاستثنى الرمز من الكلام، والأصل في الاستثناء الاتّصال، وأما قوله:

  ١٠ - أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلّم


الإعراب: «لا» ناهية «يعجبنك» يعجب: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا الناهية، ونون التوكيد الثقيلة حرف لا محل له من الإعراب، والكاف ضمير، المخاطب مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، «من خطيب» جار ومجرور متعلق بيعجب، «خطبة» فاعل يعجب، «حتى» حرف غاية وجر، «يكون» فعل مضارع ناقص منصوب بأن المضمرة بعد حتى، واسم يكون ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى خطيب، «مع» ظرف منصوب على الظرفية متعلق بقوله «أصيلا» الآتي، و «مع» مضاف، و «الكلام» مضاف إليه، «أصيلا» خبر يكون، وأن المضمرة مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحتى، «إن» حرف توكيد ونصب، «الكلام» اسم إن، «لفي الفؤاد» اللام هي اللام المزحلقة، و «في الفؤاد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن، «إنما» أداة حصر، «جعل» فعل ماض مبني للمجهول، «اللسان» نائب فاعل «جعل» وهو مفعول أول، «على الفؤاد» جار ومجرور متعلق بقوله دليلا الآتي، «دليلا» مفعول ثان لجعل.

الشّاهد فيه: أنشد المؤلف هذا الشاهد ليستدل به على أن لفظ الكلام يطلقه العرب على المعاني التي تقوم في نفس الإنسان ويتخيلها، قبل أن يعبر عنها بألفاظ تدل عليها، وقول الأخطل «إن الكلام لفي الفؤاد» يدل على هذا الذي ذكره المؤلف دلالة واضحة، ثم إن هذا المعنى الذي ذكره المؤلف معنى حقيقي للفظ الكلام، لا مجازي، والعبارات والألفاظ إنما هي دلائل، والكتابة دالة على العبارة الدالة على الكلام القائم في النفس.

١٠ - هذان البيتان من بحر الطويل، وهما من قصيدة عدد أبياتها تسعة عشر بيتا لعمر بن أبي ربيعة المخزومي (انظر شرحنا لديوانه ١٩٥ وما بعدها) وأول هذه القصيدة قوله:


(١) ويطلق «كلام الله» على ما ننطق به أيضا، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ}⁣[سورة التوبة - ٦].