شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الخامس: جمع المذكر السالم

صفحة 84 - الجزء 1

  السورة التي تليها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ}⁣[المائدة، ٦٩] فإنه جاء بالواو، وقد كان مقتضى قياس ما ذكرت أن يكون {وَالصَّابِئِينَ} بالياء؛ لأنه معطوف على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب، وجمع المذكر السالم ينصب بالياء كما ذكرت؟

  قلت: أما الآية الأولى ففيها أوجه، أرجحها وجهان:

  أحدهما: أن {الْمُقِيمِينَ} نصب على المدح، وتقديره: وأمدح المقيمين، وهو قول سيبويه والمحققين، وإنما قطعت هذه الصفة عن بقية الصفات لبيان فضل الصلاة على غيرها.

  وثانيهما: أنه مخفوض؛ لأنه معطوف على «ما» في قوله تعالى: {بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي: يؤمنون بالكتب وبالمقيمين الصلاة، وهم الأنبياء، وفي مصحف عبد الله (والمقيمون) بالواو وهي قراءة مالك بن دينار والجحدريّ وعيسى الثّقفي، ولا إشكال فيها.

  وأما الآية الثانية ففيها أيضا أوجه، أرجحها وجهان:

  أحدهما: أن يكون {الَّذِينَ هادُوا} مرتفعا بالابتداء، و {الصَّابِئُونَ وَالنَّصارى} عطفا عليه، والخبر محذوف، والجملة في نية التأخير عما في حيّز «إنّ» من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا بألسنتهم من آمن منهم - أي بقلبه - بالله إلى آخر الآية.

  ثم قيل: والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك.

  والثاني: أن يكون الأمر على ما ذكرناه من ارتفاع {الَّذِينَ هادُوا} بالابتداء، وكون ما بعده عطفا عليه، ولكن يكون الخبر المذكور له، ويكون خبر «إنّ» محذوفا مدلولا عليه بخبر المبتدأ، كأنه قيل: إن الذين آمنوا من آمن منهم، ثم قيل: والذين هادوا ... إلخ.

  والوجه الأول أجود؛ لأن الحذف من الثاني لدلالة الأول أولى من العكس، وقرأ أبيّ بن كعب: (والصابئين) بالياء، وهي مرويّة عن ابن كثير، ولا إشكال فيها.