باب فى سقطات العلماء
  بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كتشهاق العفا همّ بالنهق(١)
  ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه، يوهم أن الشاعر أراد: فروا. فقال أبو عمرو: أراد الفرو. فقال الأصمعىّ: هكذا روايتكم!
  ويحكى عن رؤبة فى توجّهه إلى قتيبة بن مسلم أنه قال: جاءنى رجلان، فجلسا إلىّ وأنا أنشد شيئا من شعرى، فهمسا بينهما، فتفقت عليهما، فهمدا. ثم سألت عنهما، فقيل لى: الطرمّاح والكميت. فرأيتهما ظريفين، فأنست بهما. ثم كانا يأتيانى، فيأخذان الشئ بعد الشئ من شعرى، فيودعانه أشعارهما.
  وقد كان قدماء أصحابنا يتعقّبون رؤبة وأباه، ويقولون: تهضّما اللغة، وولداها، وتصرّفا فيها، غير تصرّف الأقحاح فيها. وذلك لإيغالهما فى الرجز، وهو مما يضطرّ إلى كثير من التفريع والتوليد؛ لقصره، ومسابقة قوافيه.
  وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد بإسناده عن الأصمعىّ قال: قال لى الخليل: جاءنا رجل فأنشدنا:
  * ترافع العزّ بنا فارفنععا*
  فقلنا: هذا لا يكون. فقال: كيف جاز للعجّاج أن يقول:
  * تقاعس العزّ بنا فاقعنسسا(٢) *
  فهذا ونحوه يدلّك على منافرة القوم لهما، وتعقّبهم إياهما، وقد ذكرنا هذه
(١) البيت من الطويل، وهو لأبى الطمحان حنظلة بن شرقى فى لسان العرب (شهق)، (سكن)، (عفا)، وتاج العروس (نهق)، (سكن)، (عفا)، وبلا نسبة فى لسان العرب (فرأ)، وتهذيب اللغة ٣/ ٢٢٣، وديوان الأدب ٤/ ٢٢، والمخصص ٨/ ٤٤، ومقاييس اللغة ٤/ ٥٩، وتاج العروس (فرأ)، (شهق)، وروى الشطر الأول برواية أخرى:
* بضرب يزيل الهام عن سكناته*
العفا: ولد حمار الوحش. والفراء: جمع الفرأ، وهو حمار الوحش. وانظر اللسان (عفا)، (فرأ).
(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ٢١٠ - ٢١١، ولسان العرب (قعس)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ٢٩٧، وتاج العروس (قعس)، وأساس البلاغة (قيس)؛ ولرؤبة فى ديوان الأدب ٢/ ٤٦٥، ولسان العرب (قيس)، وليس فى ديوانه، ولجرير فى تاج العروس (قيس)، وليس فى ديوانه، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٣/ ٤٥٧، وكتاب العين ١/ ١٣٠، ٢/ ٣٤٩.