باب فى سقطات العلماء
  الحكاية فيما مضى من هذا الكتاب؛ وقلنا فى معناها: ما وجب هناك.
  وحكى الأصمعىّ قال: دخلت على حماد بن سلمة وأنا حدث، فقال لى: كيف تنشد قول الحطيئة: (أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ما ذا. فقلت):
  أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا(١)
  فقال: يا بنىّ؛ أحسنوا البنا. يقال: بنى، يبنى، بناء فى العمران، وبنا يبنو بنا، فى الشرف. هكذا هذه الحكاية، رويناها عن بعض أصحابنا. وأمّا الجماعة فعندها أن الواحد من ذلك: بنية وبنية؛ فالجمع على ذلك: البنى، والبنى.
  وأخبرنا أبو بكر محمد بن علىّ بن القاسم الذهبىّ بإسناده عن أبى عثمان أنه كان عند أبى عبيدة، فجاءه رجل، فسأله، فقال له: كيف تأمر من قولنا: عنيت بحاجتك؟ فقال له أبو عبيدة: اعن بحاجتى. فأومأت إلى الرجل: أى ليس كذلك. فلمّا خلونا قلت له: إنما يقال: لتعن بحاجتى. قال: فقال لى أبو عبيدة: لا تدخل إلىّ. فقلت: لم؟ فقال: لأنك كنت مع رجل خوزىّ(٢)، سرق منى عاما أوّل قطيفة لى. فقلت: لا والله ما الأمر كذلك: ولكنك سمعتنى أقول ما سمعت، أو كلاما هذا معناه.
  وحدّثنا أبو بكر محمد بن علىّ المراغىّ قال: حضر الفرّاء أبا عمر الجرمىّ، فأكثر سؤاله إياه. قال: فقيل لأبى عمر: قد أطال سؤالك؛ أفلا تسأله! فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء، ما الأصل فى قم؟ فقال: أقوم. قال: فصنعوا ما ذا؟ قال: استثقلوا الضمة على الواو، فأسكنوها، ونقلوها إلى القاف. فقال له أبو عمر: (هذا خطأ): الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح، ولم تستثقل الحركات فيها. ويدلّ على صحّة قول أبى عمر إسكانهم إياها وهى مفتوحة فى نحو يخاف وينام؛ ألا ترى أن أصلهما: يخوف، وينوم. وإنما إعلال المضارع هنا محمول على
(١) البيت من الطويل وهو للحطيئة فى ديوانه ص ٤١، ولسان العرب (عقد)، (بنى)، والمخصص ٢/ ١٦٤، ٥/ ١٢٢، ١٥/ ١٣٩، وتهذيب اللغة ١/ ١٩٧، ١٥/ ٤٩٢، وتاج العروس (بنى).
(٢) نسبة إلى سكان جبل الخوز من أرض فارس.