باب فى سقطات العلماء
  إعلال الماضى. وهذا مشروح فى موضعه.
  ومن ذلك حكاية أبى عمر مع الأصمعىّ وقد سمعه يقول. أنا أعلم الناس بالنحو، فقال له الأصمعىّ: (يا أبا عمر) كيف تنشد (قول الشاعر):
  قد كن يخبأن الوجوه تستّرا ... فالآن حين بدأن للنظّار(١)
  بدأن أو بدين؟ فقال أبو عمر: بدأن. فقال الأصمعىّ: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو! - يمازحه - إنما هو بدون، أى ظهرن. فيقال: إن أبا عمر تغفّل الأصمعىّ، فجاءه يوما وهو فى مجلسه، فقال له أبو عمر: كيف تحقر مختارا؟
  فقال الأصمعىّ: مخيتير. فقال له أبو عمر: أخطأت؛ إنما هو مخيّر أو مخير؛ تحذف التاء؛ لأنها زائدة.
  حدّثنى أبو علىّ قال: اجتمعت مع أبى بكر بن الخيّاط عند أبى العبّاس المعمرىّ بنهر معقل، فى حديث حدّثنيه طويل. فسألته عن العامل فى (إذا) من قوله - سبحانه -: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}[سبأ: ٧] قال: فسلك فيها مسلك الكوفيين. فكلّمته إلى أن أمسك. وسألته عن غيرها، وعن غيرها؛ وافترقنا. فلمّا كان الغد اجتمعت معه عند أبى العباس، وقد أحضر جماعة من أصحابه، فسألونى، فلم أر فيهم طائلا. فلمّا انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبنى من سفرجل مثل عنكبوت؟ فقال: سفرروت.
  فلما سمعت ذلك قمت فى المسجد قائما، وصفّقت بين الجماعة: سفرروت! سفرروت! فالتفت إليهم أبو بكر، فقال: لا أحسن الله جزاءكم ولا أكثر فى الناس مثلكم! وافترقنا، فكان آخر العهد به.
  قال أبو حاتم: قرأ الأخفش - يعنى أبا الحسن -: «وقولوا للناس حسنى» [البقرة: ٨٣] فقلت: هذا لا يجوز؛ لأن (حسنى) مثل فعلى، وهذا لا يجوز إلا بالألف واللام. قال: فسكت. قال أبو الفتح: هذا عندى غير لازم لأبى الحسن؛ لأن (حسنى) هنا غير صفة؛ وإنما هو مصدر بمنزلة الحسن؛ كقراءة غيره: {وَقُولُوا
(١) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٠١٩، ١٢٥٧، وروى: بدون مكان بدأن.