الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟

صفحة 125 - الجزء 1

  أراد المنازل. وقول الآخر:

  حين ألقت بقباء بركها ... واستحرّ القتل فى عبد الأشل⁣(⁣١)

  يريد عبد الأشهل من الأنصار، وقول أبى دواد:

  يذرين جندل حائر لجنوبها ... فكأنما تذكى سنابكها الحبا⁣(⁣٢)

  أى تصيب بالحصى فى جريها جنوبها، وأراد الحباحب، وقال الأخطل:

  أمست مناها بأرض ما يبلغها ... بصاحب الهمّ إلا الجسرة الأجد⁣(⁣٣)

  قالوا: يريد منازلها، ويجوز أن يكون مناها قصدها.

  ودع هذا كلّه، ألم تسمع إلى ما جاءوا به من الأسماء المستفهم بها، والأسماء المشروط بها، كيف أغنى الحرف الواحد عن الكلام الكثير، المتناهى فى الأبعاد والطول؛ فمن ذلك قولك: كم مالك، ألا ترى أنه قد أغناك ذلك عن قولك: أعشرة مالك، أم عشرون، أم ثلاثون، أم مائة، أم ألف، فلو ذهبت تستوعب الأعداد لم تبلغ ذلك أبدا؛ لأنه غير متناه؛ فلما قلت: «كم» أغنتك هذه اللفظة الواحدة عن تلك الإطالة غير المحاط بآخرها، ولا المستدركة. وكذلك أين بيتك؛ قد أغنتك «أين» عن ذكر الأماكن كلها. وكذلك من عندك؛ قد أغناك هذا عن ذكر الناس كلهم. وكذلك متى تقوم؛ قد غنيت بذلك عن ذكر الأزمنة على بعدها.

  وعلى هذا بقية الأسماء من نحو: كيف، وأىّ، وأيان، وأنّى. وكذلك الشرط فى قولك: من يقم أقم معه؛ فقد كفاك ذلك من ذكر جميع الناس، ولو لا هو


(١) البيت من الرمل، وهو لعبد الله بن الزبعرى فى ديوانه ص ٤٢، ولسان العرب (برك)، وتاج العروس (برك)، (قبا)، (شهل)، وبلا نسبة فى لسان العرب (شهل)، وأساس البلاغة (حرر). والبرك: وسط الصدر، وابترك القوم فى القتال جثوا على الركب واقتتلوا ابتراكا.

(٢) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (حبحب) وفيه «إنما أراد الحباحب، أى نار الحباحب، يقول: تصيب بالحصى فى جريها جنوبها. يقال للخيل إذا أورت النار بحوافرها: هى نار الحباحب، والحباحب: طائر يطير فيما بين المغرب والعشاء، كأنه شرارة. وفى تاج العروس (حبب) ويروى: جائر بدلا من حائر.

(٣) البيت من البسيط. وهو للأخطل فى ديوانه ص ٤٧، ولسان العرب (نزل)، (منى)، وكتاب الجيم ٣/ ٢٣٧، وتاج العروس (منا).