باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟
  البتة، فيكرروها فيقولوا: أجمعون، أجمعون، أجمعون، أجمعون، فعدلوا عن إعادة جميع الحروف إلى البعض، تحاميا - مع الإطالة - لتكرير الحروف كلها.
  فإن قيل: فلم اقتصروا على إعادة العين وحدها، دون سائر حروف الكلمة؟
  قيل: لأنها أقوى فى السجعة من الحرفين اللذين قبلها، وذلك أنها لام، فهى قافية، لأنها آخر حروف الأصل، فجئ بها لأنها مقطع الأصول، والعمل فى المبالغة والتّكرير إنما هو على المقطع، لا على المبدأ، ولا المحشى.
  ألا ترى أن العناية فى الشعر إنما هى بالقوافى لأنها المقاطع، وفى السجع كمثل ذلك. نعم، وآخر السجعة والقافية أشرف عندهم من أوّلها، والعناية بها أمسّ، والحشد عليها أوفى وأهمّ. وكذلك كلما تطرّف الحرف فى القافية ازدادوا عناية به، ومحافظة على حكمه.
  ألا تعلم كيف استجازوا الجمع بين الياء والواو ردفين، نحو: سعيد، وعمود.
  وكيف استكرهوا اجتماعهما وصلين، نحو قوله: «الغراب الأسود و» مع قوله أو «مغتدى» وقوله فى «غدى» وبقية قوافيها، وعلة جواز اختلاف الردف وقبح اختلاف الوصل هو حديث التقدم والتأخر لا غير. وقد أحكمنا هذا الموضع فى كتابنا المعرب - وهو تفسير قوافى أبى الحسن - بما أغنى عن إعادته هنا. فلذلك جاءوا لمّا كرهوا إعادة جميع حروف أجمعين بقافيتها، وهى العين؛ لأنها أشهر حروفها؛ إذ كانت مقطعا لها. فأما الواو والنون فزائدتان لا يعتدّان لحذفهما فى أجمع وجمع، وأيضا فلأن الواو قد تترك فيه إلى الياء، نحو أجمعون وأجمعين.
  وأيضا لثبات النون تارة وحذفها أخرى، فى غير هذا الموضع، فلذلك لم يعتدّا مقطعا.
  فإن قلت: إن هذه النون إنما تحذف مع الإضافة، وهذه الأسماء التوابع، نحو «أجمعين وبابه» مما لم تسمع إضافته فالنون فيها ثابتة على كل حال، فهلا اقتصر عليها، وقفّيت الكلم كلّها بها.
  قيل: إنها وإن لم يضف هذا الضرب من الأسماء، فإن إضافة هذا القبيل من الكلم فى غير هذا الموضع مطّردة منقادة؛ نحو: مسلموك، وضاربو زيد، وشاتمو جعفر، فلما كان الأكثر فيما جمع بالواو والنون إنما هو جواز إضافته حمل الأقل