الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟

صفحة 130 - الجزء 1

  وقد جاء عنهم: رجل مهوب، وبرّ مكول، ورجل مسور به. فقياس هذا كله على قول الخليل أن يكون مما قلبت فيه الياء واوا؛ لأنه يعتقد أن المحذوف من هذا ونحوه إنما هو واو مفعول لا عينه، وأنسّه بذلك قولهم: قد هوب، وسور به، وكول.

  واعلم أنا - مع ما شرحناه وعنينا به فأوضحناه من ترجيح علل النحو على علل الفقه، وإلحاقها بعلل الكلام - لا ندّعى أنها تبلغ قدر علل المتكلمين، ولا عليها براهين المهندسين؛ غير أنا نقول: إن علل النحويين على ضربين: أحدهما واجب لا بدّ منه؛ لأنّ النفس لا تطيق فى معناه غيره. والآخر ما يمكن تحمله؛ إلا أنه على تجشم واستكراه له.

  الأوّل - وهو ما لا بدّ للطبع منه -: قلب الألف واوا للضمة قبلها، وياء للكسرة قبلها. أمّا الواو فنحو قولك فى سائر: سويئر، وفى ضارب: ضويرب. وأمّا الياء فنحو قولك فى نحو تحقير قرطاس وتكسيره: قريطيس، وقراطيس. فهذا ونحوه مما لا بدّ منه؛ من قبل أنه ليس فى القوّة، ولا احتمال الطبيعة وقوع الألف المدة الساكنة بعد الكسرة ولا الضمة. فقلب الألف على هذا الحدّ علته الكسرة والضمة قبلها. فهذه علّة برهانية ولا لبس فيها، ولا توقّف للنفس عنها. وليس كذلك قلب واو عصفور ونحوه ياء إذا انكسر ما قبلها؛ نحو: عصيفير وعصافير؛ ألا ترى أنه قد يمكنك تحمّل المشقّة فى تصحيح هذه الواو بعد الكسرة؛ وذلك بأن تقول: عصيفور وعصافور. وكذلك نحو: موسر، وموقن، وميزان، وميعاد؛ لو أكرهت نفسك على تصحيح أصلها لأطاعتك عليه، وأمكنتك منه؛ وذلك قولك: موزان، وموعاد، وميسر، وميقن. وكذلك ريح وقيل؛ قد كنت قادرا أن تقول: قول، وروح؛ لكن مجئ الألف بعد الضمة أو الكسرة أو السكون محال، ومثله لا يكون. ومن المستحيل جمعك بين الألفين المدّتين؛ نحو ما صار إليه قلب لام كساء ونحوه قبل إبدال الألف همزة، وهو خطّا كساا، أو قضاا، فهذا تتوهمه تقديرا ولا تلفظ به البتة. قال أبو إسحاق يوما لخصم نازعه فى جواز اجتماع الألفين المدّتين - ومدّ الرجل الألف فى نحو هذا، وأطال - فقال له أبو إسحاق: لو مددتها إلى العصر ما كانت إلا ألفا واحدة.