الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تخصيص العلل

صفحة 185 - الجزء 1

  والحيّة الحتفة الرّقشاء أخرجها ... من حجرها آمنات الله والكلم⁣(⁣١)

  وإذا جاز دخول التاء على المصادر وليست على صورة اسم الفاعل ولا هى الفاعل فى الحقيقة، وإنما استهوى لذلك جريها وصفا على المؤنّث، كان باب «عيشة راضية»، و «يد آشرة» أحرى بجواز ذلك فيه، وجريه عليه.

  فإن قلت: فقد قالوا فى يوجل: ياجل، وفى ييأس: ياءس، وفى طىّء طائىّ، وقالوا: حاحيت، وعاعيت، وهاهيت، فقلبوا الياء والواو هنا ألفين، وهما ساكنتان، وفى هذا نقض لقولك؛ ألا تراك إنما جعلت علة قلب الواو والياء ألفين تلك الأسباب التى أحدها كونهما متحرّكتين، وأنت تجدهما ساكنتين، ومع ذلك فقد تراهما منقلبتين.

  قيل: ليس هذا نقضا، ولا يراه أهل النظر قدحا. وذلك أن الحكم الواحد قد يكون معلولا بعلّتين ثنتين، فى وقت واحد تارة، وفى وقتين اثنين. وسنذكر ذلك فى باب المعلول بعلّتين.

  فإن قلت: فما شرطك واحتياطك فى باب قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء فى نحو سيّد، وهيّن، وجيّد، وشويت شيّا، ولويت يده ليّا، وقد تراهم قالوا حيوة، وضيون، وقالوا عوى الكلب عوية، وقالوا فى تحقير أسود، وجدول: جديول، وأسيود، وأجازوا قياس ذلك فيما كان مثله: مما واوه عين متحركة أو زائدة قبل الطرف؟

  فالذى نقول فى هذا ونحوه: أن الياء والواو متى اجتمعتا، وسبقت الأولى بالسكون منهما، ولم تكن الكلمة⁣(⁣٢) علما، ولا مرادا بصحّة واوها التنبيه على أصول أمثالها، ولا كانت تحقيرا محمولا على تكسير، فإن الواو منه تقلب ياء.

  فإذا فعلت هذا واحتطت للعلّة به أسقطت تلك الإلزامات عنك؛ ألا ترى أن


(١) البيت من البسيط، وهو لأميّة بن أبى الصلت فى ديوانه ص ٥٧، والأشباه والنظائر ٢/ ٣٨٩، ولسان العرب (حتف)، (عدل). ويروى: بيتها بدلا من حجرها. وفيه: وصف أمية الحية بالحتفة، والحتف: الموت والهلاك.

(٢) التعليل للقياس فى هذا القلب، وحسب العلة أن تكون وافية به. والقلب فى العلم وما قصد به التنبيه على الأصل شذوذ فلا يجب أن تراعى فى العلة. (نجار).