باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ
  المقصورة والممدودة فمحمولتان على تاء التأنيث، وكذلك علم التثنية والجمع على حدّه لاحق بالهاء أيضا. وكذلك ياء النسب. وإذا كان الزائد غير ذى المعنى قد قوى سببه، حتى لحق بالأصول عندهم، فما ظنّك بالزائد ذى المعنى؟ وذلك قولهم فى اشتقاق الفعل من قلنسوة تارة: تقلنس، وأخرى: تقلسى، فأقرّوا النون وإن كانت زائدة، وأقرّوا أيضا الواو حتى قلبوها ياء فى تقلسيت. وكذلك قالوا: قرنوة(١)، فلما اشتقّوا الفعل منها قالوا قرنيت السّقاء، فأثبتوا الواو، كما أثبتوا بقيّة حروف الأصل: من القاف، والراء، والنون، ثم قلبوها ياء فى قرنيت. هذا مع أن الواو فى قرنوة زائدة للتكثير والصيغة، لا للإلحاق ولا للمعنى، وكذلك الواو فى قلنسوة للزيادة غير الإلحاق وغير المعنى. وقالوا فى نحوه، تعفرت الرجل إذا صار عفريتا، فهذا تفعلت؛ وعليه جاء تمسكن، وتمدرع، وتمنطق، وتمندل، ومخرق(٢)، وكان يسمّى محمدا ثم تمسلم أى صار يسمّى مسلما، و (مرحبك الله، ومسهلك)، فتحمّلوا ما فيه تبقية الزائد مع الأصل فى حال الاشتقاق؛ كلّ ذلك توفية للمعنى، وحراسة له، ودلالة عليه. ألا تراهم إذ قالوا: تدرّع، وتسكّن وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا فقد عرّضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم: أمن الدّرع والسكون؛ أم من المدرعة والمسكنة؟ وكذلك بقيّة الباب.
  ففى هذا شيئان: أحدهما حرمة الزائد فى الكلمة عندهم حتى أقرّوه إقرار الأصول. والآخر ما يوجبه ويقضى به: من ضعف تحقير الترخيم وتكسيره عندهم، لما يقضى به، ويفضى بك إليه: من حذف الزوائد، على معرفتك بحرمتها عندهم.
  فإن قلت: فإذا كان الزائد إذا وقع أوّلا لم يكن للإلحاق فكيف ألحقوا بالهمزة فى ألندد(٣) وألنجج(٤)، وبالياء فى يلندد ويلنجج، والدليل على الإلحاق ظهور
(١) القرنوة: نبات عريض الورق ينبت فى ألوية الرمل، قال الأزهرى فى القرنوة: رأيت العرب يدبغون بورقه الأهب. اللسان (قرن).
(٢) يقول ابن جنى فى سر الصناعة فى آخر حرف الميم (١/ ٣٦٦) «وقالوا مخرق الرجل، وضعفها ابن كيسان».
(٣) الألندد واليلندد: كالألدّ، أى الشديد الخصومة.
(٤) الألنجج واليلنجج: عود من الطيب يتبخر به.