الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ

صفحة 248 - الجزء 1

  للألفاظ، على ما تقدّم.

  وذلك أن أصل الزيادة فى أوّل الكلمة إنما هو للفعل. وتلك حروف المضارعة فى أفعل، ونفعل، وتفعل، ويفعل، وكلّ واحد من أدلّة المضارعة إنما هو حرف واحد، فلمّا انضمّ إليه حرف آخر فارق بذلك طريقه فى باب الدلالة على المعنى، فلم ينكر أن يصار به حينئذ إلى صنعة اللفظ، وهى الإلحاق.

  ويدلّك على تمكّن الزيادة إذا وقعت أوّلا فى الدلالة على المعنى تركهم صرف أحمد، وأرمل، وأزمل⁣(⁣١)، وتنضب، ونرجس، معرفة؛ لأن هذه الزوائد فى أوائل الأسماء وقعت موقع ما هو أقعد منها فى ذلك الموضع، وهى حروف المضارعة. فضارع أحمد أركب، وتنضب تقتل، ونرجس نضرب، فحمل زوائد الأسماء فى هذا على أحكام زوائد الأفعال؛ دلالة على أن الزيادة فى أوائل الكلم إنما بابها الفعل.

  فإن قلت: فقد نجدها للمعنى ومعها زائد آخر غيرها؛ وذلك نحو ينطلق وأنطلق، واحرنجم، ويخرنطم، ويقعنسس. قيل: المزيد للمضارعة هو حرفها وحده، فأمّا النون فمصوغة فى حشو الكلمة فى الماضى؛ نحو احرنجم، ولم تجتمع مع حرف المضارعة فى وقت واحد، كما التقت الهمزة والياء مع النون فى ألنجج ويلندد فى وقت واحد.

  فإن قلت: فقد تقول: رجل ألدّ ثم تلحق النون فيما بعد، فتقول: ألندد، فقد رأيت الهمزة والنون غير مصطحبتين. قيل: هاتان حالان متعاديتان؛ وذلك أن ألدّ ليس من صيغة ألندد فى شيء، إنما ألدّ مذكر لدّاء؛ كما أن أصمّ تذكير صمّاء. وأمّا ألندد فهمزته مرتجلة مع النون فى حال واحدة، ولا يمكنك أن تدّعى أن احرنجم لمّا صرت إلى مضارعه فككت يده عمّا كان فيها من الزوائد، ثم ارتجلت له زوائد غيرها؛ ألا ترى أن المضارع مبناه على أن ينتظم جميع حروف الماضى من أصل أو زائد؛ كبيطر ويبيطر، وحوقل ويحوقل، وجهور، ويجهور، وسلقى ويسلقى، وقطّع ويقطّع، و (تكسّر ويتكسّر) وضارب ويضارب.


(١) الأزمل: الصوت، وجمعه الأزامل.