باب فى تدريج اللغة
  جدول صغير؛ فكما تصحّ الواو فى جدول صغير فكذلك أنس بصحّة الواو فى جديول. وليس كذلك الجمع؛ لأنه رتبة غير رتبة الآحاد، فهو شيء آخر، فلذلك سقطت فى الجمع حرمة الواحد؛ ألا تراك تقول فى تكسير قائم: قوّام، وقوّم؛ فتطرح الهمزة وتراجع لفظ الأصل، ولا تقول: قؤّام، ولا قؤّم؛ كما قلت فى التحقير: قويئم؛ بالهمز.
  وسألت مرّة أبا على | عن ردّ سيبويه كثيرا من أحكام التحقير إلى أحكام التكسير وحمله إيّاها عليها؛ ألا تراه قال تقول: سريحين لقولك: سراحين، ولا تقول: عثيمين؛ لأنك لا تقول: عثامين، ونحو ذلك. فقال: إنما حمل التحقير فى هذا على التكسير من حيث كان التكسير بعيدا عن رتبة الآحاد.
  فاعتدّ ما يعرض فيه لاعتداده بمعناه، والمحقّر هو المكبّر، والتحقير فيه جار مجرى الصفة؛ فكأن لم يحدث بالتحقير أمر يحمل عليه غيره، كما حدث بالتكسير حكم يحمل عليه الإفراد: هذا معقد معناه، وما أحسنه وأعلاه!.
  ومن التدريج قولهم: هذا حضرموت بالإضافة؛ على منهاج اقتران الاسمين أحدهما بصاحبه. ثم تدرّجوا من هذا إلى التركيب فقالوا: هذا حضرموت. ثم تدرّجوا من هذا إلى أن صاغوهما جميعا صياغة المفرد فقالوا: هذا حضرموت؛ فجرى لذلك مجرى عضرفوط، ويستعور.
  ومن التدريج فى اللغة قولهم: ديمة(١) وديم؛ واستمرار القلب فى العين للكسرة قبلها، ثم تجاوزوا ذلك لمّا كثر وشاع إلى أن قالوا: ديّمت السماء ودوّمت؛ فأمّا دوّمت فعلى القياس، وأما ديّمت فلاستمرار القلب فى ديمة وديم.
  أنشد أبو زيد:
  هو الجواد ابن الجواد ابن سبل ... إن دوّموا جاد وإن جادوا وبل(٢)
(١) هى المطر الدائم فى سكون.
(٢) الرجز لجهم بن سبل فى لسان العرب (سبل)، (يوم)، ولأبى زياد الكلابى فى تاج العروس (سبل) وبلا نسبة فى لسان العرب (دوم) وجمهرة اللغة ص ٣٤٠، ٣٨٠، والمخصص ٩/ ١١٤، ومقاييس اللغة ٦/ ٨٢، وديوان الأدب ٣/ ٤٣٨، وتاج العروس (سبل)، (دوم)،