الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى

صفحة 480 - الجزء 1

  وتخيرته؛ قال ذو الرمّة:

  تنوقت ... به حضرميّات الأكفّ الحوائك⁣(⁣١)

  وعلى هذا قالوا: (جمل) لأن هذا (فعل) من الجمال؛ كما أن تلك (فعلة) من تنوقت - وأجود اللغتين تأنّقت - قال الله سبحانه: {وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}⁣[النحل: ٦]. وقولهم: (ما بها دبّيج) هو (فعّيل) من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس بهم العمارة وحسن الآثار، وعلى أيديهم يتمّ الأنس وطيب الديار. ولذلك قيل لهم: ناس لأنه فى الأصل أناس، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. فهو (فعال) من الأنس؛ قال:

  أناس لا يملّون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزّبون⁣(⁣٢)

  وقال:

  أناس عدا علّقت فيهم وليتنى ... طلبت الهوى فى رأس ذى زلق أشم⁣(⁣٣)

  وكما اشتقّوا دبيجا من الديباج؛ كذلك اشتقّوا الوشاء من الوشى؛ فهو (فعال) منه. وذلك أن المال يشى الأرض ويحسّنها. (وعلى ذلك قالوا: الغنم لأنه من الغنيمة؛ كما قالوا لها: الخيل؛ لأنها فعل من الاختيال وكلّ ذلك مستحبّ).

  أفلا ترى إلى تتالى هذه المعانى وتلاحظها، وتقابلها وتناظرها؛ وهى التنوّق، والجمال، والأنس، والديباج، والوشى، والغنيمة، [والاختيال. ولذلك قالوا: البقر؛ من بقرت بطنه أى شققته؛ فهو إلى السعة والفسحة، وضدّ الضيق والضّغطة].


(١) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى تتمة ديوانه ص ١٧١٤، ولسان العرب (نوق)، وتاج العروس (نوق)، (حاك).

(٢) البيتان من الوافر، وهما لأبى الغول الطهوىّ فى أمالى القالى ١/ ٢٦٠، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٣٩، ٤٠، وشرح المفصل ٥/ ٥٥.

(٣) الأبيات من الطويل، وهى لعمرو بن شأس فى شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٥٣ - ٤٥٤، والكتاب ٢/ ١٥١.