باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى
  وتخيرته؛ قال ذو الرمّة:
  تنوقت ... به حضرميّات الأكفّ الحوائك(١)
  وعلى هذا قالوا: (جمل) لأن هذا (فعل) من الجمال؛ كما أن تلك (فعلة) من تنوقت - وأجود اللغتين تأنّقت - قال الله سبحانه: {وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}[النحل: ٦]. وقولهم: (ما بها دبّيج) هو (فعّيل) من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس بهم العمارة وحسن الآثار، وعلى أيديهم يتمّ الأنس وطيب الديار. ولذلك قيل لهم: ناس لأنه فى الأصل أناس، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. فهو (فعال) من الأنس؛ قال:
  أناس لا يملّون المنايا ... إذا دارت رحى الحرب الزّبون(٢)
  وقال:
  أناس عدا علّقت فيهم وليتنى ... طلبت الهوى فى رأس ذى زلق أشم(٣)
  وكما اشتقّوا دبيجا من الديباج؛ كذلك اشتقّوا الوشاء من الوشى؛ فهو (فعال) منه. وذلك أن المال يشى الأرض ويحسّنها. (وعلى ذلك قالوا: الغنم لأنه من الغنيمة؛ كما قالوا لها: الخيل؛ لأنها فعل من الاختيال وكلّ ذلك مستحبّ).
  أفلا ترى إلى تتالى هذه المعانى وتلاحظها، وتقابلها وتناظرها؛ وهى التنوّق، والجمال، والأنس، والديباج، والوشى، والغنيمة، [والاختيال. ولذلك قالوا: البقر؛ من بقرت بطنه أى شققته؛ فهو إلى السعة والفسحة، وضدّ الضيق والضّغطة].
(١) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى تتمة ديوانه ص ١٧١٤، ولسان العرب (نوق)، وتاج العروس (نوق)، (حاك).
(٢) البيتان من الوافر، وهما لأبى الغول الطهوىّ فى أمالى القالى ١/ ٢٦٠، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٣٩، ٤٠، وشرح المفصل ٥/ ٥٥.
(٣) الأبيات من الطويل، وهى لعمرو بن شأس فى شرح أبيات سيبويه ١/ ٤٥٣ - ٤٥٤، والكتاب ٢/ ١٥١.