الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى

صفحة 483 - الجزء 1

  وهكذا كنت فى أهلى وفى وطنى ... إن النفيس عزيز حيثما كانا

  ويدلّك على أنهم قد تصوّروا هذا الموضع من امتزاجه بتراب معدنه أنهم إذا صفّوه وهذّبوه أخذوا له اسما من ذلك المعنى، فقالوا له: الخلاص، والإبريز، والعقيان. فالخلاص فعال من تخلّص، والإبريز إفعيل من برز يبرز، والعقيان فعلان من عقى الصبىّ يعقى، وهو أول ما ينجيه عند سقوطه من بطن أمّه قبل أن يأكل، وهو العقى. فقيل له ذلك لبروزه؛ كما قيل له البراز.

  فالتأتى والتلطّف فى جميع هذه الأشياء وضمّها، وملاءمة ذات بينها هو (خاصّ اللغة) وسرّها، وطلاوتها الرائقة وجوهرها. فأمّا حفظها ساذجة، وقمشها محطوبة هرجة⁣(⁣١) فنعوذ بالله منه، ونرغب بما آتاناه سبحانه عنه.

  وقال أبو علىّ |: قيل له حبىّ كما قيل له سحاب. تفسيره أن حبيّا (فعيل) من حبا يحبو. وكأن السحاب لثقله يحبو حبوا؛ كما قيل له سحاب وهو (فعال) من سحب؛ لأنه يسحب أهدابه. وقد جاء بكليهما شعر العرب؛ قالت امرأة:

  وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا⁣(⁣٢)

  وقال أوس:

  دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح⁣(⁣٣)

  وقالت صبية منهم لأبيها فتجاوزت ذلك:

  أناخ بذى نفر بركة ... كأنّ على عضديه كتافا⁣(⁣٤)


(١) الهرج: الضعيف.

(٢) البيت من المتقارب، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (حبا)، وتاج العروس (حبا).

(٣) البيت من البسيط، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ١٥، والأغانى ٩/ ٤٤، والخصائص ٢/ ١٢٦، والشعر والشعراء ١/ ٢١٣، ولعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص ٥٣، وجمهرة اللغة ص ١٣٤، والحماسة الشجرية ٢/ ٧٧٠، وسمط اللآلى ص ٤٤١، ولسان العرب (هدب)، ولأوس أو لعبيد فى الحيوان ٦/ ١٣٢، وشرح شواهد الإيضاح ص ٤٢٣.

(٤) البيت من المتقارب وهو لسحيم عبد بنى الحسحاس فى ديوانه ص ٤٨، ومعجم ما استعجم ص ٢٦٣ (ذو بقر)، وبلا نسبة فى لسان العرب (كتف) (حبا)، وتاج العروس (كتف)، (حبا).