باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى
  وقال [أبوهم]:
  وألقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليمانى ذى العياب المحمّل(١)
  قال: ومن ذلك قولهم فى أسماء الحاجة: الحاجة، والحوجاء، واللوجاء والإرب، والإربة، والمأربة، واللّبانة - والتّلاوة بقيّة الحاجة، والتليّة أيضا - والأشكلة؛ والشهلاء؛ قال [الشاعر]:
  لم أقض حين ارتحلوا شهلائى ... من الكعاب الطفلة الغيداء(٢)
  وأنت تجد مع ذلك من اختلاف أصولها ومبانيها جميعها [راجعا] إلى موضع واحد، ومخطوما بمعنى لا يختلف، وهو الإقامة على الشئ والتشبّث به. وذلك أن صاحب الحاجة كلف بها، ملازم للفكر فيها، مقيم على تنجّزها واستحثاثها؛ قال رسول الله ÷ «حبّك الشئ يعمى ويصمّ»(٣). وقال المولّد:
  صاحب الحاجة أعمى ... لا يرى إلا قضاها
  وتفسير ذلك أن الحاج شجر له شوك، وما كانت هذه سبيله فهو متشبّث بالأشياء، فأىّ شيء مرّ عليه اعتاقه وتشبّث به. فسمّيت الحاجة تشبيها بالشجرة ذات الشوك. أى أنا مقيم عليها، متمسّك بقضائها، كهذه الشجرة فى اجتذابها ما مرّ بها، وقرب منها. والحوجاء منها، وعنها تصرّف الفعل: احتاج يحتاج احتياجا، وأحوج يحوج؛ وحاج يحوج، فهو حائج.
  واللوجاء من قولهم: لجت الشئ ألوجه لوجا، إذا أدرته فى فيك. والتقاؤهما أن الحاجة متردّدة على الفكر، ذاهبة جائية إلى أن تقضى؛ كما أن الشئ إذا تردّد
(١) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٢٥، وتهذيب اللغة ١/ ١١٩، وجمهرة اللغة ص ١٠٠١، ومقاييس اللغة ١/ ١٨٤، وتاج العروس (غبط)، (بعع)، ولسان العرب (بعع). صحراء الغبيط: موضع. البعاع: السحاب المثقل بالماء.
(٢) الرجز بلا نسبة فى تهذيب اللغة ٦/ ٨٤، وجمهرة اللغة ص ٨٨١، ١١٥٧، والاشتقاق ص ٤٤٣، ٥٢٤، والمخصص ١٢/ ٢٢٣، ولسان العرب (شهل)، وتاج العروس (شهل).
(٣) «ضعيف» أخرجه أحمد والبخارى فى تاريخه وأبو داود عن أبى الدرداء، وانظر ضعيف الجامع (٢٦٨٧).