الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى التطوع بما لا يلزم

صفحة 56 - الجزء 2

  فهذا جواب «كم»؛ كأنه قال: كم قصرن عليه؟ وكم ظرف ومنصوبة الموضع، فكان قياسه أن يقول: ستة أشهر؛ لأن «كم» سؤال عن قدر من العدد محصور، فنكرة هذا كافية من معرفته؛ ألا ترى أن قولك: عشرون والعشرون وعشروك (ونحو ذلك) فائدته فى العدد واحدة؛ لكن المعدود معرفة مرّة، ونكرة أخرى.

  فاستعمل الشتاء وهو معرفة فى جواب كم. وهذا تطوّع بما لا يلزم. وليس عيبا؛ بل هو زائد على المراد. وإنما العيب أن يقصّر فى الجواب عن مقتضى السؤال؛ فأمّا إذا زاد عليه فالفضل معه، واليد له.

  وجاز أن يكون الشتاء جوابا ل «كم» من حيث كان عددا فى المعنى؛ ألا تراه ستة أشهر. وافقنا أبو على | على هذا الموضع من الكتاب وفسّره ونحن بحلب فقال: إلا فى هذا البلد فإنه ثمانية أشهر. يريد طول الشتاء بها.

  ومن ذلك قولك فى جواب من قال لك: آلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية؟: الحسن، أو قولك: الحسين. وهذا تطوّع من المجيب بما لا يلزم. وذلك أن جوابه على ظاهر سؤاله أن يقول له: أحدهما، ألا ترى أنه لما قال له: «آلحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية» فكأنه قال: [أ] أحدهما أفضل أم ابن الحنفية؟

  فجوابه على ظاهر سؤاله أن يقول: أحدهما. فقوله: «الحسن» أو قوله: «الحسين» فيه زيادة تطوّع بها لم ينطو السؤال على استعلامها. ونظير قوله فى الجواب على اللفظ أن يقول: الحسن أو الحسين، لأن قوله: «أو الحسين» بمنزلة أن يقول: أحدهما. والجواب المتطوّع فيه أن يقول: «الحسن» ويمسك، أو أن يقول: «الحسين» ويمسك. فأمّا كان كيسانيا⁣(⁣١) فإنه يقول: ابن الحنفية، هكذا كما ترى. فإن قال: آلحسن (أفضل أم الحسين) أو ابن الحنفية، فقال: الحسن فهو جواب لا تطوّع فيه. فإن قال: «أحدهما» فهو جواب لا تطوّع فيه أيضا. فإن قال: «الحسين» ففيه تطوّع. وكذلك إن قال: «ابن الحنفية» فقد تطوّع أيضا. فإن قال: آلحسن أو ابن الحنفية أفضل أم الحسين فقال له المجيب: الحسين، فهو


= ولعدىّ بن الرقاع فى الكتاب ١/ ٢١٩. الذود: القطيع من الإبل.

(١) الكيسانية: فرقة من الشيعة ينتسبون إلى كيسان. يقولون بإمامة محمد ابن الحنفية.