مقدمة المؤلف
  ومنه اللقوة(١) فى الوجه. والتقاؤهما أن الوجه اضطرب شكله، فكأنه خفّة فيه، وطيش منه، وليست له مسكة الصحيح، ووفور المستقيم.
  ومنه قوله:
  * وكانت لقوة لاقت قبيسا(٢) *
  واللّقوة: الناقة السريعة اللّقاح، وذلك أنها أسرعت إلى ماء الفحل فقبلته، ولم تنب عنه نبوّ العاقر.
  فهذه الطرائق التى نحن فيها حزنة المذاهب، والتورّد لها وعر المسلك، ولا يجب مع هذا أن تستنكر، ولا تستبعد؛ فقد كان أبو على | يراها ويأخذ بها؛ ألا تراه غلّب كون لام أثفيّة(٣) - فيمن جعلها أفعولة - واوا، على كونها ياء، - وإن كانوا قد قالوا «جاء يثفوه ويثفيه»(٤) - بقولهم «جاء يثفه» قال: فيثفه لا يكون إلا من الواو، ولم يحفل بالحرف الشاذّ من هذا، وهو قولهم «يئس» مثل يعس؛ لقلّته. فلمّا وجد فاء وثف واوا قوى عنده فى أثفية كون لامها واوا، فتأنّس للام بموضع الفاء، على بعد بينهما.
  وشاهدته غير مرّة، إذا أشكل عليه الحرف: الفاء، أو العين، أو اللام، استعان على علمه ومعرفته بتقليب أصول المثال الذى ذلك الحرف فيه. فهذا أغرب مأخذا
(١) اللّقوة: داء يكون فى الوجه يعوجّ منه الشدق، فيكون الوجه مائلا إلى أحد الجانبين، ورجل ملقوّ: إذا أصابته اللّقوة. تهذيب لسان العرب»: (لقو).
(٢) هذا مثل يضرب للرجلين يكونان متفقين على رأى ومذهب - دون التقاء - فلا يلبثان أن يلتقيا فيصطحبا ويتصافيا. واللقوة - كما فسّرها ابن جنى فى هذا الكتاب -: السريعة اللقاح، والقبيس: الفحل السريع الإلقاح، أى: لا إبطاء عندهما فى الإنتاج، وانظر اللسان (لقو). (نجار بزيادة يسيرة).
(٣) الأثفية: ما يوضع عليه القدر، والجمع: أثافىّ وأثاثى، وثفىّ القدر وأثفاها: جعلها على الأثافى، ورماه الله بثالثة الأثافى؛ مثل، يعنى به: الجبل؛ لأنه يجعل صخرتان إلى جانبه، وينصب عليه وعليهما القدر، فمعناه: رماه الله بما لا يقوم به، وقيل: معنى قولهم: «رماه الله بثالثة الأثافى» أى: رماه الله بالشر كله، فجعله أثفية بعد أثفية حتى إذا رمى بالثالثة، لم يترك منها غاية، والأثفية: حجر مثل رأس الإنسان، وجمعها: أثافىّ، بالتشديد، ويجوز التخفيف، وتنصب القدور عليها. لسان العرب: (ثفى).
(٤) يعنى: يتبعه ويأتى على إثره، اللسان (ثفى).