الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 68 - الجزء 1

  وأما «ك ل م» فهذه أيضا حالها، وذلك أنها حيث تقلبت فمعناها الدلالة على القوّة والشدّة. والمستعمل منها أصول خمسة، وهى: «ك ل م» «ك م ل» «ل ك م» «م ك ل» «م ل ك» وأهملت⁣(⁣١) منه «ل م ك»، فلم تأت فى ثبت.

  فمن ذلك الأصل الأوّل «ك ل م» منه الكلم للجرح. وذلك للشدّة التى فيه، وقالوا فى قول الله سبحانه: {دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}⁣[النمل: ٨٢] قولين: أحدهما من الكلام، والآخر من الكلام أى تجرحهم وتأكلهم، وقالوا: الكلام: ما غلظ من الأرض، وذلك لشدّته وقوته؛ وقالوا: رجل كليم أى مجروح وجريح؛ قال:

  * عليها الشيخ كالأسد الكليم⁣(⁣٢) *

  ويجوز الكليم بالجرّ والرفع، فالرفع على قولك: عليها الشيخ الكليم كالأسد، والجرّ على قولك: عليها الشيخ كالأسد [الكليم]⁣(⁣٣)، إذا جرح فحمى أنفا، وغضب فلا يقوم له شيء، كما قال:

  كان محرّبا من أسد ترج ... ينازلهم، لنابيه قبيب⁣(⁣٤)


(١) كأنه لم يصح عنده ما رواه المفضل: أن التلمك تحرك اللحيين بالكلام أو الطعام، وقالوا: ما ذقت لماكا، أى شيئا. وانظر اللسان. ا ه. (نجار). قلت: وبالتأمل يعلم أنّ (اللمك) دائر مع دلالة (ك. ل. م) فى سائر تقاليبها؛ فإن (اللمك) بمعناه المذكور لا يخلو من شدّة وقوّة كذلك؛ فإن علك الطعام وتحريك اللحيين بالطعام أو الكلام لا يخلو من ذلك؛ فتأمل.

(٢) الشطر من الوافر، بلا نسبة فى لسان العرب (كلم)، وتاج العروس (كلم).

(٣) قال الشيخ النجار «هذا عجز بيت للكلحبة اليربوعى يصف فرسه العرادة. وصدره:

* هى الفرس التى كرت عليهم*

وقبله مطلع القصيدة وهو:

تسألنى بنو جشم بن بكر ... أغراء العرادة أم بهيم

وتبين من هذا أن القصيدة مرفوعة الروى، فتجويز الجر فى الكليم من أبى الفتح؛ لأنه لم يطلع على عمود القصيدة، وانظرها فى المفضليات ا ه. (نجار). قلت: لقد كان للشيخ | أناة فى تخطئة ابن جنى لو حمل تجويزه للجر والرفع على ما هو جائز لغة ونحوا لا شعرا ورويا؛ فادّعاء جهل ابن جنى بعمود القصيدة وكونه لا يعرف منها إلا الشطر الذى استشهد به بعيد مع ما عرف عنه من سعة الحفظ والاطلاع.

(٤) البيت من الوافر، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص ١١٠، ولسان العرب =