الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

فصل فى التقديم والتأخير

صفحة 164 - الجزء 2

  وقالوا: علم⁣(⁣١)؛ كما قالوا: جهل، وقالوا: كثر ما تقومنّ؛ كما قالوا: قلّما تقومنّ. وذهب الكسائىّ فى قوله:

  إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبنى رضاها⁣(⁣٢)

  إلى أنه عدّى (رضيت) بعلى لمّا كان ضدّ سخطت، وسخطت ممّا يعدّى بعلى، وهذا واضح. وكان أبو علىّ يستحسنه من الكسائىّ. فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقى منها، وصار قوله: لم (أرقه) بدلا من الجواب ودليلا عليه.

  فهذه وجوه التقديم والتأخير فى كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئا فإنه معلوم الحال، ولا حق بما قدّمناه.

  وأما الفروق والفصول فمعلومة المواقع أيضا:

  فمن قبيحها الفرق بين المضاف والمضاف إليه، والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبىّ، وهو دون الأوّل؛ ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف؛ نحو قولك: كان فيك زيد راغبا، وقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق:

  فلمّا للصلاة دعا المنادى ... نهضت وكنت منها فى غرور⁣(⁣٣)

  وسترى ذلك.

  ويلحق بالفعل والفاعل فى ذلك المبتدأ والخبر فى قبح الفصل بينهما.

  (وعلى الجملة فكلّما ازداد الجزءان اتصالا قوى قبح الفصل بينهما).

  فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:

  فقد والشكّ بيّن لى عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح⁣(⁣٤)


(١) كأنه يريد أن (علم) بابه أن يكون على فعل - بضم العين - لكونه غريزة كما يقال حلم، ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل - بكسر العين - وجهل جاء هكذا حملا على حرد. انظر الكتاب ٢/ ٢٢٥.

(٢) سبق.

(٣) نهضت: هببت من نومى. «وكنت منها فى غرور» أى كان متاعه بمحبوبته فى الحلم غرور.

(٤) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى رصف المبانى ص ٣٩٣، وشرح شواهد المغنى ص ٤٧٩، ومغنى اللبيب ص ١٧١، ويروى: (والله) مكان (والشك)، (عنائى) مكان (عناء).