فصل فى التقديم والتأخير
  وقالوا: علم(١)؛ كما قالوا: جهل، وقالوا: كثر ما تقومنّ؛ كما قالوا: قلّما تقومنّ. وذهب الكسائىّ فى قوله:
  إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبنى رضاها(٢)
  إلى أنه عدّى (رضيت) بعلى لمّا كان ضدّ سخطت، وسخطت ممّا يعدّى بعلى، وهذا واضح. وكان أبو علىّ يستحسنه من الكسائىّ. فكأنه قال: إن ينج منها ينج غير مرقى منها، وصار قوله: لم (أرقه) بدلا من الجواب ودليلا عليه.
  فهذه وجوه التقديم والتأخير فى كلام العرب. وإن كنا تركنا منها شيئا فإنه معلوم الحال، ولا حق بما قدّمناه.
  وأما الفروق والفصول فمعلومة المواقع أيضا:
  فمن قبيحها الفرق بين المضاف والمضاف إليه، والفصل بين الفعل والفاعل بالأجنبىّ، وهو دون الأوّل؛ ألا ترى إلى جواز الفصل بينهما بالظرف؛ نحو قولك: كان فيك زيد راغبا، وقبح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ نحو قول الفرزدق:
  فلمّا للصلاة دعا المنادى ... نهضت وكنت منها فى غرور(٣)
  وسترى ذلك.
  ويلحق بالفعل والفاعل فى ذلك المبتدأ والخبر فى قبح الفصل بينهما.
  (وعلى الجملة فكلّما ازداد الجزءان اتصالا قوى قبح الفصل بينهما).
  فمن الفصول والتقديم والتأخير قوله:
  فقد والشكّ بيّن لى عناء ... بوشك فراقهم صرد يصيح(٤)
(١) كأنه يريد أن (علم) بابه أن يكون على فعل - بضم العين - لكونه غريزة كما يقال حلم، ولكنه حمل على جهل فجاء على فعل - بكسر العين - وجهل جاء هكذا حملا على حرد. انظر الكتاب ٢/ ٢٢٥.
(٢) سبق.
(٣) نهضت: هببت من نومى. «وكنت منها فى غرور» أى كان متاعه بمحبوبته فى الحلم غرور.
(٤) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى رصف المبانى ص ٣٩٣، وشرح شواهد المغنى ص ٤٧٩، ومغنى اللبيب ص ١٧١، ويروى: (والله) مكان (والشك)، (عنائى) مكان (عناء).