الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،

الجوهري (المتوفى: 393 هـ)

فصل الألف

صفحة 1867 - الجزء 5

  والثانى أن تكون منقطعة مما قبلها خبراً أو استفهاماً. تقول فى الخبر: إنّها لَإبِلٌ أمْ شَاءٌ يا فتى. وذلك إذا نظرت إلى شخص فتوهَّمْتَه إِبِلاً، فقلتَ ما سبق إليك، ثم أدرككَ الظنُّ أنه شَاءٌ، فانصرفْتَ عن الأول فقلت أَمْ شَاءٌ، بمعنى بَلْ؛ لأنَّه إضرابٌ عما كان قبله، إلَّا أن ما يقعُ بعد بَلْ يقينٌ، وما بعد أَمْ مَظْنُونٌ.

  وتقول فى الاستفهام: هل زيدٌ منطلقٌ أَمْ عمروٌ يا فتى، إنّما أضربْتَ عن سؤالك عن انطلاق زيد وجعلْتَه عن عمرو، فَأَمْ معها ظنٌّ واستفهامٌ وإضرابٌ. وأنشد الأخفش⁣(⁣١):

  كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رأيتَ بِواسِطٍ ... غَلَسَ الظَلَامِ من الرَبابِ خَيالا

  قال تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَأَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ}. وهذا كلامٌ لم يكن أصلُه استفهاماً. وليس قوله: أَمْ {يَقُولُونَ افْتَراهُ} شَكًّا، ولكنه قال هذا التقبيح صنيعهم. ثم قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} كأنَّه أراد أن يُنَبِّه على ما قالوه، نحو قولك للرجل: الخيرُ أحبُّ إليك أم الشرّ؟ وأنت تعلم أنَّه يقول الخير، ولكن أردتَ أن تُقَبِّحَ عنده ما صَنَع.

  وتَدْخُلُ أَمْ على هَلْ فتقول: أَمْ هَلْ عندك عمروٌ. وقال⁣(⁣٢):

  أَمْ هَلْ كبيرٌ بكى لم يَقْضِ عَبْرَتَهُ ... إتْرَ الأحِبَّةِ يومَ البَيْنِ مشكومُ⁣(⁣٣)

  ولا تدخل أَمْ على الألف، لا تقول أَعِنْدَكَ زيدٌ أَمْ أَعِنْدَكَ عمرٌو، لأنّ أصل ما وُضِعَ للاستفهام حرفان أحدهما الألِف ولا تقع إلّا فى أول الكلام، والثانى أَمْ ولا تقع إلَّا فى وسط الكلام، وهَلْ إنما أقِيمَ مقام الألف فى الاستفهام فقط، ولذلك لم يقع فى كلِّ مواقع الأصل.

  وأَمْ قد تكون زائدة، كقول الشاعر:

  * يا هِنْدُ أَمْ ما كان مَشْيِى رَقَصَا⁣(⁣٤) *


(١) للأخطل.

(٢) علقمة بن عبدة.

(٣) مشكوم: مُثَابٌ ومُكافَأٌ.

(٤) فى اللسان: «يا دَهْنُ» أراد يا دَهْنَاءَ فرخّم. و {أَمْ} زائدة أراد: ما كان مَشْيِى رَقَصًا، أى كنت أتَوَقّصُ وأنا فى شبيبتى، واليوم قد أسْنَنْتُ حتّى صار مَشْيى رَقَصاً والتَوَقُّصُ: مقاربة الخَطْوِ. وبعده: بل قد تكون مشيتي توقصا