فصل الألف
  مصدر فتنصبه، تقول: أريد أن تقوم، والمعنى أريد قيامك، فإن دخلتْ على فعل ماضٍ كانت معه بمعنى مصدر قد وقع، إلّا أنّها لا تعمل، تقول: أعجبنى أَنْ قمتَ، والمعنى أعجبنى قيامك الذى مضى.
  وأَنْ قد تكون مخفّفةً عن المشدَّدة فلا تعمل.
  تقول: بلغنى أَنْ زيدٌ خارجٌ. قال الله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها} وأما إنْ المكسورة فهى حرفٌ للجزاء، يوقع الثانى من أجل وقوع الأول، كقولك: إن تأتنى آتِكَ، وإن جئتنى أكرمتُك. وتكون بمعنى «ما» فى النفى كقوله تعالى: {إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}. وربَّما جُمع بينهما للتأكيد، كما قال الراجز الأغلب العجلىّ:
  ما إنْ رأينا مَلِكاً أَغَارَا ... أكثر منه قِرَةً وَقَارَا
  وقد تكون فى جواب القسم، تقول: والله إنْ فعلت، أى ما فعلتُ. وأمَّا قول عَبد الله ابن قيس الرُقَيَّاتِ:
  بَكَرَتْ عَلَىَّ عواذلى ... يَلَحْيَنَنِى وَأَلُومُهَنَّهْ
  ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلَا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ
  أى إنَّهُ قد كان كما يقلن. قال أبو عبيد: وهذا اختصارٌ من كلام العرب، يكتفى منه بالضمير لأنه قد عُلِمَ معناه. وأمَّا قول الأخفش إِنَّهْ بمعنى نَعَمْ، فإنّما يريد تأويله، ليس أنَّه موضوع فى اللغة لذلك. قال: وهذه الهاء أدخلت للسكوت.
  قال: وأَنَ المفتوحة قد تكون بمعنى لَعَلَّ، كقوله تعالى: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}. وفى قراءة أُبَىٍّ: لَعَلّهَا.
  وأَنْ المفتوحة المخففة قد تكون بمعنى أَىْ، كقوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}.
  وأنْ قد تكون صلة لِلَمَّا، كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ} وقد تكون زائدة، كقوله تعالى: {وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ}، يريد: وما لهم لا يعذِّبهم الله.
  وقد تكون إنْ المكسورةُ المخفّفة زائدةً مع ما، كقولك: ما إنْ يقوم زيدٌ. وقد تكون مخففة من الشديدة، فهذه لا بدَّ من أن تدخل اللام فى خبرها عوضاً مما حذف من التشديد، كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ}، وإنْ زيدٌ لأخوك، لئلّا تلتبس بإنْ التى بمعنى ما للنفى.
  وأما قولهم: أنا، فهو اسمٌ مكنىٌّ، وهو للمتكلِّم وحده، وإِنَّمَا بُنى على الفتح فرقاً بينه وبين أَنْ