كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر عن غزاة بدر

صفحة 378 - الجزء 4

  محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها! الغوث الغوث! قال: فشغلني عنه وشغله عنّي ما جاء من الأمر. قال:

  فتجهّز الناس سراعا، وقالوا: لا يظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرميّ⁣(⁣١)! كلَّا واللَّه ليعلمنّ غير ذلك! فكانوا بين رجلين: إمّا خارج وإمّا باعث مكانه رجلا.

  خروج قريش وإرسال أبي لهب العاصي بن هشام مكانه:

  وأوعبت قريش فلم يتخلَّف من / أشرافها أحد إلا أبو لهب بن عبد المطلب تخلَّف فبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان لطَّ⁣(⁣٢) له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه، فأفلس⁣(⁣٣) بها، فاستأجره بها على أن يجزئ عنه بعثه، فخرج عنه وتخلَّف أبو لهب. هكذا في الحديث. فذكر أبو عبيدة وابن الكلبيّ: أنّ أبا لهب قامر العاصي بن هشام في مائة من الإبل، فقمره⁣(⁣٤) أبو لهب، ثم عاد فقمره أيضا، ثم عاد فقمره أيضا الثالثة، فذهب بكلّ ما كان يملكه. فقال له العاصي: أرى القداح قد حالفتك يا بن عبد المطَّلب، هلمّ نجعلها على أيّنا يكون عبدا لصاحبه؛ قال: ذلك لك؛ فدحاها⁣(⁣٥) فقمره أبو لهب، فأسلمه قينا، وكان يأخذ منه ضريبة. فلما كان يوم بدر وأخذت قريش كلّ من لم يخرج بإخراج رجل مكانه أخرجه أبو لهب عنه وشرط له العتق؛ فخرج فقتله عليّ بن أبي طالب ¥.

  رجع الحديث إلى وقعة بدر.

  وبخ ابن أبي معيط أمية بن خلف لإجماعه القعود فخرج:

  قال محمد بن إسحاق: وحدّثني عبد اللَّه بن أبي نجيح:

  أنّ أميّة بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخا [جليلا جسيما]⁣(⁣٦) ثقيلا، فجاءه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها، فيها نار ومجمر⁣(⁣٧)، حتّى وضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا عليّ، استجمر فإنّما أنت / من النساء! قال: قبّحك اللَّه وقبّح ما جئت به! ثم تجهّز وخرج مع الناس. فلمّا فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير، ذكروا ما [كان]⁣(⁣٨) بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب⁣(⁣٩)، فقالوا: إنّا نخشى أن يأتوا من خلفنا.

  تخوّف قريش من كنانة وتأمين إبليس لهم:

  قال محمد بن إسحاق: فحدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير قال: لمّا أجمعت قريش المسير ذكرت


(١) هو عمرو بن الحضرمي. وقد أورد ابن هشام في «السيرة» خبر هذه العير.

(٢) كذا في هامش «تاريخ الطبري» (ص ١٢٩٥ من القسم الأوّل). ولط الغريم بالحق: ما طل فيه ومنعه، ولط حقه: جحده. وفي حديث طهفة: «لا تلطط في الزكاة» أي لا تمنعها. وفي الأصول: «لاط» وهو تحريف.

(٣) في «السيرة»: «أفلس» بدون الفاء.

(٤) قمره: غلبه في المقامرة.

(٥) دحاها: رماها. والدحو: رمى اللاعب بالحجر أو الجوز وغيره. وذلك أنهم كانوا يحفرون حفرة بمقدار الحجر الذي يريدون رميه، ثم يتنحون عنها قليلا ويرمون بالأحجار إليها؛ فإن وقعت الأحجار في الحفرة غلب صاحبها وإن لم تقع فيها غلب. وتسمى تلك الأحجار المداحي، واحدها: مدحاة.

(٦) الزيادة عن «السيرة».

(٧) المجمر: العود يتبخر به.

(٨) الزيادة عن «السيرة».

(٩) كذا في «السيرة». وفي الأصول: «كنانة بن الحارث» وهو تحريف.