ذكر الخبر عن غزاة بدر
  الذي بينها وبين بني(١) بكر بن عبد مناة، فكاد ذلك أن يثبّطهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: إنّي جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم](٢) بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعا.
  خروج النبيّ وعدد جيشه والطريق التي سلكها:
  وخرج رسول اللَّه ﷺ - فيما بلغني عن غير ابن إسحاق - لثلاث ليال خلون من شهر رمضان المعظَّم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من أصحابه. فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة؛ فقال بعضهم: كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وكان المهجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا، وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا، وكان صاحب راية رسول اللَّه ﷺ عليّ بن أبي طالب ¥، وكان صاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.
  / حدّثنا محمد قال حدّثنا هارون بن إسحاق قال حدّثنا مصعب بن المقدام، قال أبو جعفر وحدّثني محمد بن إسحاق الأهوازيّ قال حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ قال حدّثنا إسرائيل قال حدّثنا أبو إسحاق عن البراء قال(٣) كنّا نتحدّث أنّ عدّة أصحاب بدر على عدّة أصحاب طالوت الذين / جازوا معه النهر - ولم يجز معه إلَّا مؤمن - ثلاثمائة وبضعة عشر.
  استشارة النبيّ لأصحابه وتأييد الأنصار له:
  قال ابن إسحاق في حديثه عمّن روى عنه: وخرج رسول اللَّه ﷺ في أصحابه، وجعل على الساقة(٤) قيس بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النجّار، في ليال مضت من رمضان؛ فسار حتّى إذا كان قريبا من الصّفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنيّ حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزّغباء حليف بني النجّار إلى بدر يتجسّسان(٥) له الخبر عن أبي سفيان بن حرب وغيره، ثم ارتحل رسول اللَّه ﷺ وقدّمهما. فلمّا استقبل الصّفراء، وهي قرية بين جبلين، سأل عن جبليها ما اسماهما؟ فقيل: يقال لأحدهما هذا مسلح، وللآخر هذا مخرئ؛ وسأل عن أهلها فقالوا: بنو النّار، وبنو حراق (بطنان من غفار)؛ فكرههما رسول اللَّه ﷺ والمرور بينهما، وتفاءل(٦) باسميهما وأسماء أهاليهما، فتركهما والصفراء يسارا، وسلك ذات اليمين على واد يقال له ذفران فخرج منه، حتّى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه
(١) كانت الحرب التي بين قريش وبين بني بكر في ابن الحفص بن الأخيف أحد بني معيص بن عامر بن لؤي، قتله بنو بكر بضجنان، وكان خرج يبتغي بها ضالة له، بإيعاز من سيدهم عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح، فثأر للغلام أخوه مكرز من عامر بن يزيد بأن قتله وخاض بطنه بسيفه، ثم أتى به الكعبة ليلا فعلقه بأستارها. فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر بن يزيد معلقا بأستار الكعبة فعرفوه، فقالوا: إن هذا لسيف عامر بن يزيد عدا عليه مكرز بن حفص فقتله. (انظر «السيرة» لابن هشام ج ١ ص ٤٣١ طبع أوروبا).
(٢) الزيادة عن «السيرة».
(٣) كذا في الأصول. ولعله: «قالا».
(٤) ساقه الجيش: مؤخرته.
(٥) في ح: «يتحسان». (انظر الحاشية رقم ٢ ص ١٧١ من هذا الجزء).
(٦) تفاءل هنا بمعنى تطير. والفأل يكون فيما يحسن ويسوء، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. وفي الحديث عن أنس عن النبيّ ﷺ قال:
«لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح». والفأل الصالح: الكلمة الحسنة. وهذا يدل على أن من الفأل ما يكون صالحا ومنه ما يكون غير صالح.