ذكر أخبار أبي سعيد مولى فائد ونسبه
  مثل ما قد بنى له أوّلوه ... وكذا يشبه البناة(١) البنانا
  - الشعر والغناء لأبي سعيد مولى فائد - فأحسن. فقال له المهديّ: أحسنت يا أبا سعيد! فغنّني «لقد طفت سبعا». قال: أو أغنّيك أحسن منه؟ قال: أنت وذاك. فغنّاه:
  قدم الطويل فأشرقت واستبشرت ... أرض الحجاز وبان في الأشجار
  إنّ الطويل من آل حفص فاعلموا ... ساد الحضور وساد في الأسفار
  فأحسن فيه. فقال: غنّني «لقد طفت سبعا». قال: أو أغنيّك أحسن منه؟ قال: فغنّني. فغناه:
  أيّها السائل الذي يخبط الأر ... ض دع الناس أجمعين وراكا
  وأت هذا الطويل من آل حفص ... إن تخوّفت علية(٢) أو هلاكا
  فأحسن فيه. فقال له: غنّني «لقد طفت سبعا»، فقد أحسنت فيما غنّيت، ولكنا نحبّ أن تغنّي ما دعوناك إليه. فقال: لا سبيل إلى ذلك يا أمير المؤمنين؛ لأنّي رأيت رسول اللَّه ﷺ في منامي وفي يده شيء لا أدري ما هو، / وقد رفعه ليضربني به وهو يقول: يا أبا سعيد، لقد طفت سبعا، لقد طفت سبعا سبعا طفت! ما صنعت بأمّتي في هذا الصوت! فقلت له: بأبي أنت وأمي اغفر لي، فو الَّذي بعثك بالحقّ واصطفاك بالنبوّة لا غنّيت هذا الصوت أبدا؛ فردّ يده ثم قال: عفا اللَّه عنك إذا! ثم انتبهت. وما كنت لأعطي رسول اللَّه ﷺ شيئا في منامي فأرجع عنه في يقظتي.
  فبكى المهديّ وقال: أحسنت يا أبا سعيد أحسن اللَّه إليك! لا تعد في غنائه، وحباه وكساه وأمر بردّه إلى الحجاز.
  فقال له أبو سعيد: ولكن اسمعه يا أمير المؤمنين من منّة جارية البرامكة. وأظنّ حكاية من حكى ذلك عن المهديّ غلطا؛ لأن منّة جارية البرامكة لم تكن في أيّام المهديّ، وإنما نشأت وعرفت في أيّام الرشيد.
  وقد حدّثني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهديّ عن أبيه أنّه هو الذي لقي أبا سعيد مولى فائد وجاراه هذه القصّة. وذكر ذلك أيضا حمّاد بن إسحاق عن إبراهيم بن المهديّ. وقد يجوز أن يكون إبراهيم بن المهديّ وإسحاق سألاه عن هذا الصوت فأجابهما فيه بمثل ما أجاب المهديّ. وأمّا خبر إبراهيم بن المهديّ خاصّة فله معان غير هذه، والصوت الذي سأله عنه غير هذا؛ وسيذكر بعد انقضاء هذه الأخبار لئلَّا تنقطع.
  أراده إبراهيم بن المهدي على الذهاب إلى بغداد فأبى:
  وأخبرني إسماعيل(٣) بن يونس الشّيعيّ قال حدّثنا عمر بن شبّة:
  أنّ إبراهيم بن المهديّ لقي أبا سعيد مولى فائد؛ وذكر الخبر بمثل الذي قبله، وزاد فيه: فقال له: اشخص معي إلى بغداد، فلم يفعل. فقال: ما كنت لآخذك بما لا تحبّ، ولو كان غيرك لأكرهته على ما أحبّ، ولكن دلَّني / على من ينوب / عنك. فدلَّه على ابن جامع، وقال له: عليك بغلام من بني سهم قد أخذ عنّي وعن نظرائي
(١) فيء، ط، م هنا وفيما يأتي:
وكذا يشبه النبات النباتا
(٢) في م: «غيلة». وفيء، ط: «عولة».
(٣) في ب، س: «إسحاق»، وهو تحريف.