كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر من قتل أبو العباس السفاح من بني أمية

صفحة 491 - الجزء 4

  فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيرا إلى الموت سيرا جميلا

  ثم قاتل حتى قتل. قال: فإذا هو ابن مسلمة⁣(⁣١) بن عبد الملك بن مروان.

  اجتمع عند السفاح جماعة من بني أمية فأنشده سديف شعرا يغريه بهم فقتلهم وكتب إلى عماله بقتلهم:

  أخبرني عمّي قال حدّثني محمد بن سعد الكرانيّ قال حدّثني النّضر بن عمرو عن المعيطيّ، وأخبرنا محمد بن خلف وكيع قال قال أبو السائب سلَّم بن جنادة السّوائيّ⁣(⁣٢) سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول:

  دخل سديف - وهو مولى لآل أبي لهب - على أبي العبّاس بالحيرة. هكذا قال وكيع. وقال الكرانيّ في خبره واللفظ له: كان أبو العبّاس جالسا في مجلسه على سريره وبنو هاشم دونه / على الكراسيّ، وبنو أميّة على الوسائد قد ثنيت لهم، وكانوا في أيّام دولتهم يجلسون هم والخلفاء منهم على السرير، ويجلس بنو هاشم على الكراسيّ؛ فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين، بالباب رجل حجازيّ أسود راكب على نجيب متلثّم يستأذن ولا يحبر باسمه، ويحلف ألَّا يحسر اللَّثام عن وجهه حتّى يراك. قال: هذا مولاي سديف، يدخل، فدخل. فلمّا نظر إلى أبي العبّاس وبنو أميّة حوله، حدر اللَّثام عن وجهه وأنشأ يقول⁣(⁣٣):

  /

  أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل⁣(⁣٤) من بني العبّاس

  بالصدور المقدّمين قديما ... والرّؤوس القماقم الرّؤاس⁣(⁣٥)

  يا أمير المطَّهرين من الذّمّ ويا رأس منتهى كلّ راس

  أنت مهديّ هاشم وهداها ... كم أناس رجوك بعد إياس⁣(⁣٦)

  لا تقيلنّ بعد شمس عثارا ... واقطعن كلّ رقلة⁣(⁣٧) وغراس

  أنزلوها بحيث أنزلها اللَّه بدار الهوان والإتعاس


(١) في «النجوم الزاهرة» (ج ١ ص ٢٥٨ طبع دار الكتب المصرية) بعد ذكر هذين البيتين: «فإذا هو ابن عبد الملك، وقيل: ابن لمسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم».

(٢) السوائيّ (بالضم والتخفيف والهمز): نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة.

(٣) اتفق «الكامل» للمبرد (ص ٧٠٧ طبع أوروبا) «والعقد الفريد» (ج ٢ ص ٣٥٦ طبع مصر) على أن قائل هذا الشعر هو شبل بن عبد اللَّه مولى بني هاشم. ويؤكد هذا الشعر نفسه؛ إذ يقول فيه، على رواية،:

نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس

واتفقا أيضا على أن شعر سديف هو:

لا يغرّنك ما ترى من أناس ... إن تحت الضلوع داء دويا

فضع السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا

واختلفا فيمن أنشد بين يديه هذا الشعر؛ ففي «العقد الفريد» أنه أبو العباس السفاح، وفي «الكامل» أنه عبد اللَّه بن عليّ.

(٤) البهاليل: جمع بهلول وهو العزيز الجامع لكل خير، أو هو الحيّ الكريم.

(٥) الرؤاس: الولاة والحكام.

(٦) فيء، ط:

كم أناس رجوك بعد أناس

(٧) الرقلة: النخلة الطويلة التي تفوت اليد.