أخبار فليح بن أبي العوراء
  دوشابيّ(١) غليظ مسحوريّ(٢) رديء. فقلت / له: لا تفعل، وجهدت به ألَّا يأكل ولا يشرب إلَّا عند محمد بن سليمان؛ فلم يلتفت إليّ، وأكل ذلك الرأس وشرب من ذلك النبيذ الغليظ حتّى طابت نفسه، وغنّى وغنّى القيّم معه مليّا؛ ثم خاطب القيّم بما أغضبه، وتلاحيا وتواثبا؛ فأخذ القيّم شيئا فضربه به على رأسه فشجّه حتّى جرى دمه.
  فلمّا رأى الدم / على وجهه اضطرب وجزع وقام يغسل جرحه، ودعا بصوفة محرقة وزيت، وعصبه وتعمّم وقام معي. فلمّا دخلنا دار محمد بن سليمان. ورأى الفرش والآلة وحضر الطعام فرأى سروه(٣) وطيبه، وحضر النبيذ وآلته، ومدّت الستائر وغنّى الجواري، أقبل عليّ وقال: يا مجنون! سألتك باللَّه أيّما أحقّ بالعربدة وأولى: مجلس القيّم أم مجلس الأمير؟ فقلت: وكأنه لا بدّ من عربدة! قال: لا! واللَّه ما لي منها بدّ، فأخرجتها من رأسي هناك.
  فقلت: أمّا على هذا الشرط فالذي فعلت أجود. فسألني محمد عما كنّا فيه فأخبرته؛ فضحك ضحكا كثيرا، وقال:
  هذا الحديث واللَّه أظرف وأطيب من كلّ غناء؛ وخلع عليه وأعطاه خمسة آلاف درهم.
  اتفق مع حكم الوادي على إسقاط ابن جامع عند يحيى بن خالد:
  قال هارون بن محمد وحدّثني حمّاد بن إسحاق قال حدّثني أبو إسحاق القرمطيّ قال حدّثنا مدركة بن يزيد قال:
  قال لي فليح بن أبي العوراء: بعث يحيى بن خالد إليّ وإلى حكم الواديّ وإلى ابن جامع، فأتيناه. فقلت لحكم: إن قعد ابن جامع معنا فعاونّي عليه لنكسره. فلمّا صرنا إلى الغناء غنّى حكم؛ فصحت وقلت: هكذا واللَّه يكون الغناء! ثم غنيت، ففعل لي حكم مثل ذلك. وغنّى ابن جامع فما كنّا معه في شيء. فلمّا كان / العشيّ أرسل إلى جاريته دنانير: إنّ أصحابك عندنا، فهل لك أن تخرجي إلينا؟ فخرجت وخرج معها وصائف؛ فأقبل عليها يقول لها من حيث يظنّ أنّا لا نسمع: ليس في القوم أنزه نفسا من فليح. ثم أشار إلى غلام له: أن ائت كلّ إنسان بألفي درهم، فجاء بها؛ فدفع إلى ابن جامع ألفي درهم فأخذها فطرحها في كمّه، وفعل بحكم الواديّ مثل ذلك فطرحها في كمّه، ودفع إليّ ألفين. فقلت لدنانير: قد بلغ منّي النبيذ، فاحبسيها لي عندك حتى تبعثي بها إليّ؛ فأخذت الدراهم منّي وبعثت بها إليّ من الغد، وقد زادت عليها؛ وأرسلت إليّ: قد بعثت إليك بوديعتك وبشيء أحببت أن تفرّقه على أخواتي (تعني جواريّ).
  طلبه الفضل بن الربيع فجيء به مريضا فغنى ورجع ثم مات في علته:
  قال هارون بن محمد وحدّثني حمّاد قال حدّثني أبي قال:
  كنّا عند الفضل بن الربيع، فقال: هل لك في فليح بن أبي العوراء؟ قلت نعم. فأرسل إليه، فجاء الرسول
(١) الدوشابي: نسبة إلى الدوشاب وهو نبيذ التمر معرّب؛ قال ابن المعتز:
لا تخلط الدوشاب في قدح ... بصفاء ماء طيب البرد
وقال ابن الرومي:
علَّني أحمد من الدوشاب ... شربة بغّضت قناع الشباب
(٢) مسحوري: فاسد.
(٣) كذا في ط، ء. وفي سائر الأصول: «ورأى سروره به وطيبه»: وهو تحريف. والسرو: الشرف والسخاء. ولعل المراد بسرو الطعام جودته وكثرته.