أخبار فليح بن أبي العوراء
  فقال: هو عليل؛ فعاد إليه فقال الرسول: لا بدّ من أن تجيء؛ فجاء به محمولا في محفّة؛ فحدّثنا ساعة ثم غنّى.
  فكان فيما غنّى:
  تقول عرسي إذ نبا المضجع ... ما بالك الليلة لا تهجع
  فاستحسنّاه منه واستعدناه منه مرارا؛ ثم انصرف ومات في علَّته تلك؛ وكان آخر العهد به ذلك المجلس.
  روى قصة فتى عاشق غناه هو وعشيقته فبعثت إليه مهرها ليخطبها إلى أبيها:
  أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى المكَّيّ قال حدّثني أبي عن فليح بن أبي العوراء قال:
  كان بالمدينة فتى يعشق ابنة عمّ له، فوعدته أن تزوره. وشكا إليّ أنّها تأتيه ولا شيء عنده، فأعطيته دينارا للنفقة. فلمّا زارته قالت له: من يلهّينا؟ قال: صديق لي، ووصفني لها، ودعاني فأتيته؛ فكان أوّل ما غنّيته:
  /
  من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا(١)
  فقامت إلى ثوبها فلبسته لتنصرف؛ فعلق بها وجهد بها كلّ الجهد في أن تقيم، فلم تقم وانصرفت. فأقبل عليّ يلومني في أن غنّيتها ذلك الصوت. فقلت: واللَّه ما هو شيء اعتمدت به مساءتك، ولكنه شيء اتّفق. قال: فلم نبرح حتى عاد رسولها بعدها ومعه صرّة فيها ألف / دينار ودفعها إلى الفتى وقال له: تقول لك ابنة عمّك: هذا مهري ادفعه إلى أبي، واخطبني؛ ففعل فتزوّجها.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لوالدها شنارا
  كأنّ مجامع الأرداف منها ... نقا(٢) درجت عليه الريح هارا
  يعاف وصال ذات البذل قلبي ... وأتّبع الممنّعة النّوارا(٣)
  والشعر لسليك بن السّلكة السّعديّ. والغناء لابن سريج رمل بالسبّابة في مجرى الوسطى. وفيه لابن الهربذ لحن من رواية بذل، أوّله:
  يعاف وصال ذات البذل قلبي
  وبعده:
  غذاها قارص(٤) يغدو عليها ... ومحض حين تنتظر العشارا
(١) الخفرة: الشديدة الحياء. والشنار: العيب والعار.
(٢) النقا (مقصور): الكثيب من الرمل. وهار: سقط وتهدّم.
(٣) النوار: المرأة النفور من الريبة والجمع نور.
(٤) القارص: لبن يحذي اللسان أو حامض يحلب عليه حليب كثير حتى تذهب الحموصة. والمحض: اللبن الخالص. والعشار: جمع =