ذكر ابن هرمة وأخباره ونسبه
  /
  إنّي لميمون جوارا وإنّني ... إذا زجر الطَّير العدا لمشوم
  وإنّي لملآن(١) العنان مناقل(٢) ... إذا ما ونى يوما ألفّ(٣) سؤوم
  فودّ رجال أنّ أمّي تقنّعت ... بشيب يغشّي الرأس وهي عقيم
  فقال ابن ميّادة: وهل عندك جراء(٤)؟ ثكلتك أمّك! أنت ألأم من ذلك! ما قلت إلَّا مازحا.
  أخبرنا [به](٥) وكيع قال حدّثنا محمد بن إسماعيل قال قال عبد العزيز بن عمران:
  اجتمع ابن هرمة وابن ميّادة عند جميع بن عمر بن الوليد، فقال ابن ميّادة لابن هرمة: قد كنت أحبّ أن ألقاك.
  ثم ذكر نحوه.
  أنكر عليه أن تمضغ الناطف مع قدوم وزير فحمله وتلقى به الموكب:
  وقال هارون بن محمد بن عبد الملك حدّثنا عليّ بن محمد بن سليمان النّوفليّ قال حدّثني أبو سلمة الغفاريّ عن أبيه قال:
  وفدت على المهديّ في جماعة من أهل المدينة، وكان فيمن وفد يوسف بن موهب(٦) وكان في رجال بني هاشم من بني نوفل، وكان معنا ابن هرمة؛ فجلسنا يوما على دكَّان قد هيّئ لمسجد ولم يسقّف، في عسكر المهديّ؛ وقد كنّا نلقى الوزراء وكبراء / السلطان، وكانوا قد عرفونا؛ وإذا حيال الدّكَّان رجل بين يديه ناطف(٧) يبيعه في يوم شات شديد البرد، فأقبل إذ ضربه بفأسه فتطاير جفوفا؛ فأقبل ابن هرمة علينا، فقال ليوسف: يا بن عمّ رسول اللَّه ﷺ أما معك درهم نأكل به من هذا الناطف؟ فقال له: متى عهدتني أحمل الدّراهم! قال: فقلت له:
  لكنّي أنا معي، فأعطيته / درهما خفيفا(٨)، فاشترى به ناطفا على طبق للنّاطفيّ فجاء بشيء كثير، فأقبل يتمضّغه
(١) يقال: ملأ فلان عنان جواده إذا أعداه وحمله على الحضر الشديد.
(٢) كذا فيء. ط. والمناقل: السريع نقل القوائم. وفي سائر الأصول: «مثاقل» بالثاء المثلثة وهو تصحيف.
(٣) الألف: الثقيل البطيء.
(٤) كذا في أكثر النسخ. وفيء، ط: «جرّي» والجراء (بالفتح والكسر) والجراية والجري (بالفتح فيهما): الفتوة.
(٥) زيادة عن ط، ء.
(٦) في «اللسان» و «القاموس» و «شرحه» مادّة وهب: «وموهب كمقعد اسم. قال سيبويه: جاؤوا به على مفعل (بالفتح) لأنه اسم ليس على الفعل؛ إذ لو كان على الفعل لكان مفعلا (بكسر العين). فقد يكون ذلك لمكان العلمية؛ لأن الأعلام مما تغير القياس» اه.
(٧) الناطف: نوع من الحلواء. وقال الجوهري: هو القبّيط لأنه يتنطف قبل استضرابه أي يقطر قبل خثورته. وجعل النابغة الجعدي الحمر ناطفا فقال:
وبات فريق ينضحون كأنما ... سقوا ناطفا من أذرعات مفلفلا
وكذلك جعلها ابن هرمة، كما سيأتي قريبا في ص ٣٧٣.
(٨) يريد بذلك الدراهم الصغار ذات الوزن الخفيف. قال المقريزي في كتابه «شذور العقود في ذكر النقود» (ص ١٦ طبع أوروبا): «وكان الناس قبل عبد الملك يؤدّون زكاة أموالهم شطرين من الكبار والصغار. فلما اجتمعوا مع عبد الملك على ما عزم عليه عمد إلى درهم واف، فوزنه فإذا هو ثمانية دوانيق، وإلى درهم من الصغار فإذا هو أربعة دوانيق، فجمعها وحمل زيادة الأكبر على نقص الأصغر وجعلهما درهمين متساويين زنة كل منهما ستة دوانيق سواء» اه. ثم قال: «صنع عبد الملك في الدراهم ثلاث فضائل:
الأولى أن كل سبعة مثاقيل زنة عشرة دراهم والثانية أنه عدل بين كبارها وصغارها حتى اعتدلت وصار الدرهم ستة دوانيق. والثالثة أنه موافق لما سنه رسول اللَّه ﷺ في فريضة الزكاة بغير وكس ولا إشطاط؛ فمضت بذلك السنة واجتمعت عليه الأمة ...
إلخ.