أخبار إسماعيل بن يسار ونسبه
  متخشّعا للدهر ألبس حلَّة ... في النائبات بحسرة وتجلَّد
  أعني ابن عروة إنّه قد هدّني ... فقد ابن عروة هدّة لم تقصد
  فإذا ذهبت إلى العزاء أرومه ... ليرى المكاشخ بالعزاء تجلَّدي
  منع التّعزّي أنّني لفراقه ... لبس العدوّ عليّ جلد الأربد(١)
  ونأى الصديق فلا صديق أعدّه ... لدفاع نائبة الزّمان المفسد
  فلئن تركتك يا محمد ثاويا ... لبما تروح(٢) مع الكرام وتغتدي
  / كان الذي يزع العدوّ بدفعه ... ويردّ نخوة ذي المراح(٣) الأصيد
  فمضى لوجهته وكلّ معمّر ... يوما سيدركه حمام الموعد
  دخل على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ومدحه فأكرمه:
  حدّثني عمّي قال حدّثني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا مصعب بن عبد اللَّه عن أبيه:
  أن إسماعيل بن يسار دخل على عبد الملك بن مروان لمّا أفضى إليه الأمر بعد مقتل عبد اللَّه بن الزّبير، فسلَّم ووقف موقف المنشد واستأذن في الإنشاد. فقال له عبد الملك: الآن يا بن يسار! إنّما أنت امرؤ زبيريّ، فبأيّ لسان تنشد؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أنا أصغر شأنا من ذلك، وقد صفحت عن أعظم جرما وأكثر غناء لأعدائك منّي، وإنما أنا شاعر مضحك. فتبسّم عبد الملك؛ وأومأ إليه الوليد بأن ينشد. فابتدأ فأنشد قوله:
  ألا يا لقومي للرّقاد المسهّد ... وللماء ممنوعا من الحائم الصّدي
  وللحال بعد الحال يركبها الفتى ... وللحبّ بعد السّلوة المتمرّد
  وللمرء يلحى في التصابي وقبله ... صبا بالغواني كلّ قرم ممجّد
  وكيف تناسي القلب سلمى وحبّها ... كجمر غضى بين الشّراسيف(٤) موقد
  حتى انتهى إلى قوله:
  /
  إليك إمام النّاس من بطن يثرب ... ونعم أخو ذي الحاجة المتعمّد
  رحلنا لأنّ الجود منك خليقة ... وأنّك لم يذمم جنابك مجتدي
  ملكت فزدت النّاس ما لم يزدهم ... إمام من المعروف غير المصرّد(٥) /
  وقمت(٦) فلم تنقض قضاء خليفة ... ولكن بما ساروا من الفعل تقتدي
(١) الأربد هنا: الأسد.
(٢) كذا فيء، ط، م. وفي سائر النسخ: «على الكرام».
(٣) المراح: الأشر والنشاط. والأصيد: الذي يرفع رأسه كبرا. ومنه قيل لملك: أصيد؛ لأنه لا يلتفت يمينا ولا شمالا.
(٤) الشراسيف: أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن.
(٥) صرّد عطاءه: قللَّه، وقيل: أعطاه قليلا قليلا.
(٦) فيء، ط. «وقلت».