أخبار إسماعيل بن يسار ونسبه
  ولمّا وليت الملك ضاربت دونه ... وأسندته لا تأتلي خير مسند
  جعلت هشاما والوليد ذخيرة ... وليّين للعهد الوثيق المؤكَّد
  قال: فنظر إليهما عبد الملك متبسّما، والتفت إلى سليمان فقال: أخرجك إسماعيل من هذا الأمر. فقطب سليمان ونظر إلى إسماعيل نظر مغضب. فقال إسماعيل: يا أمير المؤمنين، إنما وزن الشعر أخرجه من البيت الأوّل، وقد قلت بعده:
  وأمضيت عزما في سليمان راشدا ... ومن يعتصم باللَّه مثلك يرشد
  فأمر له بألفي درهم صلة، وزاد في عطائه، وفرض له، وقال لولده: أعطوه؛ فأعطوه ثلاثة آلاف درهم.
  استنشده هشام بن عبد الملك فافتخر ورمى به في بركة ماء ونفاه إلى الحجاز:
  أخبرني عمّي قال حدّثنا أحمد بن أبي خيثمة قال ذكر ابن النّطَّاح عن أبي اليقظان:
  أنّ إسماعيل بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرّصافة جالس على بركة له في قصره، فاستنشده وهو يرى أنه ينشده مديحا له؛ فأنشده قصيدته التي يفتخر فيها بالعجم:
  يا ربع رامة(١) بالعلياء من ريم(٢) ... هل ترجعنّ إذا حيّيت تسليمي
  / ما بال حيّ غدت بزل المطيّ بهم ... تخدي لغربتهم سيرا بتقحيم(٣)
  كأنّني يوم ساروا شارب سلبت ... فؤاده قهوة من خمر داروم(٤)
  حتّى انتهى إلى قوله:
  إنّي وجدّك ما عودي بذي خور ... عند الحفاظ ولا حوضي بمهدوم
  أصلي كريم ومجدي لا يقاس به ... ولي لسان كحدّ السّيف مسموم(٥)
  أحمي به مجد أقوام ذوي حسب ... من كلّ قرم بتاج الملك معموم
  جحاجح(٦) سادة بلج مرازبة ... جرد عتاق مساميح مطاعيم
(١) رامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة في طريق البصرة إلى مكة. وبين رامة وبين البصرة اثنتا عشرة مرحلة. وقيل: رامة: هضبة أو جبل ببني دارم.
(٢) رثم (بكسر أوّله وهمز ثانيه وسكونه وقيل بالياء غير مهموز): واد لمزينة قرب المدينة، وقيل: على ثلاثين ميلا من المدينة، وقيل:
على أربعة برد من المدينة أو ثلاثة. (والبريد فرسخان أو أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال).
(٣) بزل (ككتب ويسكن): جمع بزول، والبزول: الناقة في تاسع سنيها وليس بعده سن تسمى. وخدي الفرس والبعير: أسرع وزجّ بقوائمه. والتقحيم: طيّ المنازل وعدم النزول بها؛ يقال: قحم المنازل إذا طواها، وقحّمت الإبل راكبيها: جعلتهم يطوون المنازل منزلا منزلا من غير أن ينزلوا بها.
(٤) داروم: قلعة بعد غزّة للقاصد إلى مصر، والواقف فيها يرى البحر إلا أن بينها وبين البحر مقدار فرسخ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل في سنة ٥٨٤ هـ تنسب إليها الخمر.
(٥) الظاهر أن هذه الكلمة مرفوعة، وبذلك يكون في الشعر إقواء. على أنه يمكن أن يكون أصل الكلام: «إلى لسان ...» بدل «ولي لسان ...».
(٦) جحاجح: جمع جحجح، والجحجح والجحجاح: السيد الكريم. والمرازبة: جمع مرزبان، وهو رئيس الفرس.