كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره

صفحة 23 - الجزء 5

  أقحمت⁣(⁣١) السنة نابغة بني جعدة، فدخل على ابن الزبير المسجد الحرام، فأنشده:

  حكيت لنا الصّدّيق لمّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم

  أتاك أبو ليلى يجوب به الدّجى ... دجى الليل جوّاب الفلاة عثمثم⁣(⁣٢)

  لتجبر منه جانبا زعزعت⁣(⁣٣) به ... صروف الليالي والزمان المصمّم

  / فقال له ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فإنّ الشعر أهون وسائلك عندنا، أمّا صفوة ما لنا فلآل الزبير، وأما عفوته⁣(⁣٤) فإنّ بني⁣(⁣٥) أسد بن عبد العزّى تشغلها عنك وتيما معها، ولكن لك في مال اللَّه حقّان: حقّ برؤيتك رسول اللَّه ، وحقّ بشركتك أهل الإسلام في فيئهم؛ ثم أخذ بيده فدخل به دار النّعم، فأعطاه قلائص⁣(⁣٦) سبعا وجملا رجيلا⁣(⁣٧)؛ وأوقر له الإبل برّا وتمرا وثيابا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحبّ صرفا؛ فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلي! لقد بلغ به الجهد؛ فقال النابغة: أشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول: «ما وليت قريش فعدلت واسترحمت فرحمت وحدّثت فصدقت ووعدت خيرا فأنجزت فأنا والنبيّون فرّاط⁣(⁣٨) القاصفين» وقال الحرميّ: «فرّاط لها ضمن». قال الزّبيريّ: كتب يحيى بن معين هذا الحديث عن أخي.

  ضربه أبو موسى الأشعري أسواطا فهجاه:

  أخبرني أبو الحسن الأسديّ أحمد بن محمد بن عبد اللَّه / بن صالح وهاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قالا حدّثنا الرّياشيّ قال قال أبو سليمان عن الهيثم بن عديّ [قال]⁣(⁣٩):

  رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارخوا: يا آل عامر، يا آل عامر! فخرج النابغة الجعديّ ومعه عصبة له؛ فأتي به إلى أبي موسى الأشعريّ، فقال له: ما أخرجك؟ قال: سمعت داعية قومي؛ قال: فضربه أسواطا؛ فقال النابغة:

  رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا


(١) أقحمته: ألقته ورمت به. والسنة: الجدب، أي أخرجه الجدب من البادية وأدخله الريف حيث الخضرة والماء.

(٢) العثمثم: الجمل الشديد الطويل.

(٣) في ط، ء: «ذعذعت» بالذال المعجمة وهي بمعنى «زعزعت».

(٤) عبارة ابن الأثير في «النهاية» (مادة عفا) ونقلها عنه صاحب «اللسان»: ... أنه قال للنابغة: أما صفو أموالنا فلآل الزبير، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك. قال الحربيّ: العفو: أحل المال وأطيبه. وقال الجوهريّ: عفو المال ما يفضل عن النفقة. وكلاهما جائز في اللغة والثاني أشبه بهذا الحديث»، وهذا التوجيه الأخير لابن الأثير. وأما عفوة المال والطعام والشراب (بالفتح) وعفوته (بالكسر عن كراع): فهي خياره وما صفا منه وكثر. وظاهر أنها لا تلائم سياق الحديث، لذلك نرى أن رواية النهاية في هذا الأثر أصح مما ورد في الأصول هنا.

(٥) بنو أسد: قبيلة منها الزبير بن العوّام والد عبد اللَّه هذا. وتيم: قبيلة منها أبو بكر الصدّيق رضوان اللَّه عليه وهو جدّ ابن الزبير لأمه.

(٦) القلائص: جمع قلوص وهي الشابة من الإبل بمنزلة الجارية من النساء.

(٧) في ح: «رحيلا» بالحاء المهملة، والرجيل والرحيل من الإبل: القوي على السير.

(٨) كذا في «النهاية» في «غريب الحديث» و «الدر النثير» للسيوطي (مادتي فرط وقصف)، وفيه رواية أخرى أشار إليها السيوطي في «الدر النثير» (مادة قصف) وهي «فراط القاصفين»، وبهذه الرواية ورد الحديث في م «واللسان» (مادتي فرط وقصف). وقد وردت كلمة «القاصفين» في أكثر الأصول ها هنا مضطربة، ففي ط، ء: «فرّاط لها ضفن وقال الحرميّ ... إلخ». وفي باقي الأصول: «فراط لها ضمين وقال الحرميّ ... إلخ». الفرّاط: المتقدمون إلى الشفاعة أو إلى الحوض. والقاصفون: المزدحمون. وضمن: كافلون.

(٩) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.