1 - ذكر النابغة الجعدي ونسبه وأخباره
  أقحمت(١) السنة نابغة بني جعدة، فدخل على ابن الزبير المسجد الحرام، فأنشده:
  حكيت لنا الصّدّيق لمّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم
  أتاك أبو ليلى يجوب به الدّجى ... دجى الليل جوّاب الفلاة عثمثم(٢)
  لتجبر منه جانبا زعزعت(٣) به ... صروف الليالي والزمان المصمّم
  / فقال له ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فإنّ الشعر أهون وسائلك عندنا، أمّا صفوة ما لنا فلآل الزبير، وأما عفوته(٤) فإنّ بني(٥) أسد بن عبد العزّى تشغلها عنك وتيما معها، ولكن لك في مال اللَّه حقّان: حقّ برؤيتك رسول اللَّه ﷺ، وحقّ بشركتك أهل الإسلام في فيئهم؛ ثم أخذ بيده فدخل به دار النّعم، فأعطاه قلائص(٦) سبعا وجملا رجيلا(٧)؛ وأوقر له الإبل برّا وتمرا وثيابا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحبّ صرفا؛ فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلي! لقد بلغ به الجهد؛ فقال النابغة: أشهد أني سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول: «ما وليت قريش فعدلت واسترحمت فرحمت وحدّثت فصدقت ووعدت خيرا فأنجزت فأنا والنبيّون فرّاط(٨) القاصفين» وقال الحرميّ: «فرّاط لها ضمن». قال الزّبيريّ: كتب يحيى بن معين هذا الحديث عن أخي.
  ضربه أبو موسى الأشعري أسواطا فهجاه:
  أخبرني أبو الحسن الأسديّ أحمد بن محمد بن عبد اللَّه / بن صالح وهاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف قالا حدّثنا الرّياشيّ قال قال أبو سليمان عن الهيثم بن عديّ [قال](٩):
  رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع، فبعث أبو موسى الأشعريّ في طلبهم، فتصارخوا: يا آل عامر، يا آل عامر! فخرج النابغة الجعديّ ومعه عصبة له؛ فأتي به إلى أبي موسى الأشعريّ، فقال له: ما أخرجك؟ قال: سمعت داعية قومي؛ قال: فضربه أسواطا؛ فقال النابغة:
  رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا
(١) أقحمته: ألقته ورمت به. والسنة: الجدب، أي أخرجه الجدب من البادية وأدخله الريف حيث الخضرة والماء.
(٢) العثمثم: الجمل الشديد الطويل.
(٣) في ط، ء: «ذعذعت» بالذال المعجمة وهي بمعنى «زعزعت».
(٤) عبارة ابن الأثير في «النهاية» (مادة عفا) ونقلها عنه صاحب «اللسان»: ... أنه قال للنابغة: أما صفو أموالنا فلآل الزبير، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك. قال الحربيّ: العفو: أحل المال وأطيبه. وقال الجوهريّ: عفو المال ما يفضل عن النفقة. وكلاهما جائز في اللغة والثاني أشبه بهذا الحديث»، وهذا التوجيه الأخير لابن الأثير. وأما عفوة المال والطعام والشراب (بالفتح) وعفوته (بالكسر عن كراع): فهي خياره وما صفا منه وكثر. وظاهر أنها لا تلائم سياق الحديث، لذلك نرى أن رواية النهاية في هذا الأثر أصح مما ورد في الأصول هنا.
(٥) بنو أسد: قبيلة منها الزبير بن العوّام والد عبد اللَّه هذا. وتيم: قبيلة منها أبو بكر الصدّيق رضوان اللَّه عليه وهو جدّ ابن الزبير لأمه.
(٦) القلائص: جمع قلوص وهي الشابة من الإبل بمنزلة الجارية من النساء.
(٧) في ح: «رحيلا» بالحاء المهملة، والرجيل والرحيل من الإبل: القوي على السير.
(٨) كذا في «النهاية» في «غريب الحديث» و «الدر النثير» للسيوطي (مادتي فرط وقصف)، وفيه رواية أخرى أشار إليها السيوطي في «الدر النثير» (مادة قصف) وهي «فراط القاصفين»، وبهذه الرواية ورد الحديث في م «واللسان» (مادتي فرط وقصف). وقد وردت كلمة «القاصفين» في أكثر الأصول ها هنا مضطربة، ففي ط، ء: «فرّاط لها ضفن وقال الحرميّ ... إلخ». وفي باقي الأصول: «فراط لها ضمين وقال الحرميّ ... إلخ». الفرّاط: المتقدمون إلى الشفاعة أو إلى الحوض. والقاصفون: المزدحمون. وضمن: كافلون.
(٩) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.