2 - حرب بكر وتغلب
  لهف نفسي على عديّ ولم أع ... رف عديّا إذ أمكنتني اليدان
  طلّ(١) من طلّ في الحروب ولم أو ... تر بجيرا أبأته(٢) ابن أبان
  فارس يضرب الكتيبة بالسي ... ف وتسموا أمامه العينان
  وزعم حجر أنّ مهلهلا قال: لا واللَّه أو يعهد لي غيرك؛ قال الحارث: اختر من شئت؛ قال: أختار الشيخ القاعد عوف بن محلَّم؛ قال الحارث: يا عوف أجره؛ قال: لا! حتى يقعد خلفي؛ فأمره فقعد خلفه؛ فقال: أنا مهلهل. وأمّا مقاتل فقال: إنما أخذه في دور الرّحى(٣) وحومة القتال ولم يقعد أحد بعد، فكيف يقول الشيخ القاعد!. قال مقاتل: وشدّ عليهم جحدر، فاعتوره عمرو وعامر، فطعن / عمرا بعالية(٤) الرمح وطعن عامرا بسافلته فقتلهما عداء(٥) وجاء ببزّهما. قال عامر بن عبد الملك المسمعي: فحدّثني رجل عالم قال: سألني الوليد بن يزيد:
  من قتل عمرا وأخاه عامرا؟ قلت: جحدر؛ قال: صدقت، فهل تدري كيف قتلهما؟ قلت: نعم، قتل عمرا بسنان(٦) الرمح، وقتل عامرا بزجّه. قال: وقتل جحدر أيضا أبا مكنف. قال مقاتل: فلمّا رجع مهلهل بعد الوقعة والأسر إلى أهله، جعل النساء والولدان يستخبرونه: تسأل المرأة عن زوجها وابنها(٧) وأخيها، والغلام عن أبيه وأخيه؛ فقال:
  ليس مثلي يخبّر الناس عن آ ... بائهم قتّلوا وينسى القتالا
  لم أرم(٨) عرصة الكتيبة حتّى ان ... تعل الورد(٩) من دماء نعالا
  عرفته رماح بكر فما يأ ... خذن إلا لبانه(١٠) والقذالا
  غلبونا، ولا محالة يوما ... يقلب الدهر ذاك حالا فحالا
وأطلقوه فتكون الناصية عند من جزها يفخر بها. وربما جزت ناصية الأسير شريفا كان أو غير شريف وأخذت للافتخار، والعرب متفاوتون في ذلك. قال زهير من قصيدة مدح بها هرم بن سنان المرّي أحد الأجواد في الجاهلية:
عظمت دسيعته وفضله ... جز النواصي من بني بدر
وقالت الخنساء مفتخرة:
جززنا نواصي فرسانها ... وكانوا يظنون ألا تجزا
ومن ظن ممن يلاقي الحروب ... بألايصاب فقد ظن عجزا
(١) طل دم القتيل: ذهب هدرا.
(٢) أباء القاتل بالقتيل: قتله به.
(٣) في ط، ء، م: «أخذه في المرحى». والمرحى: حومة الحرب.
(٤) عالية الرمح: سنانه. وسافلته: زجه. وزج الرمح: حديدة في أسفله.
(٥) يقال: عادي الفارس بين صيدين وبين رجلين إذا طعنهما طعنتين متواليتين، والعداء بالكسر، والمعاداة: الموالاة والمتابعة بين الاثنين يصرع أحدهما على إثر الآخر في طلق واحد، وأنشد لامرئ القيس:
فعادى عداء بين ثور ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
(٦) في ب، س، ح: «بعالية الرمح».
(٧) في ب، س، ح: «وأبيها».
(٨) لم أرم: لم أبرح.
(٩) الورد من الخيل: بين الكميت والأشقر؛ أو هو الأحمر الضارب إلى الصفرة.
(١٠) كذا في أكثر الأصول، واللبان: الصدر. وفي ب، س: «لباته» بالتاء بدل النون، واللبة: المنحر.