كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - ذكر الهذلي وأخباره

صفحة 47 - الجزء 5

  تزوّج بنت ابن سريج وأخذ عنها غناء أبيها وانتحل أكثره:

  قال هارون: وحدّثني حماد عن أبيه قال:

  ذكر ابن جامع عن ابن عبّاد أن ابن سريج لما حضرته الوفاة نظر إلى ابنته فبكى، فقالت له: ما يبكيك؟ قال:

  أخشى عليك الضيعة بعدي! فقالت له: لا تخف فما من غنائك شيء إلا وقد أخذته؛ قال: فغنّيني فغنّته، فقال: قد طابت نفسي، ثم دعا بالهذليّ فزوّجها منه؛ فأخذ الهذليّ غناء أبيها كلَّه عنها فانتحل أكثره؛ فعامّة غناء الهذليّ لابن سريج مما أخذه عن ابنته وهي زوجته.

  حدره الحارث بن خالد من منى ثم أذن له فرجع إليها:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدّثني عمر بن شبّة قال حدّثني محمد بن يحيى أبو غسّان قال:

  كان الهذليّ منزله بمنّى، وكان فتيان قريش يأتونه فيغنّيهم هناك، ثم أقبل مرّة حتى جلس على جمرة العقبة فغنّى هناك، فحدره الحارث من منى، وكان عاملا على مكة، ثم أذن له فرجع إلى منى.

  قصته مع فتية من قريش غناهم فطربوا له واستعادوه:

  قال هارون: وحدّثني عليّ بن محمد النّوفليّ / قال حدّثني أبي قال:

  كان الهذليّ النقّاش يغدو إليه فتيان قريش وقد عمل عمله بالليل، ومعهم الطعام والشراب والدراهم، فيقولون له: غنّنا؛ فيقول لهم: الوظيفة⁣(⁣١)، فيقولون: قد جئنا بها؛ فيقول: الوظيفة الأخرى، أنزلوا أحجاري، فيلقون ثيابهم ويأتزرون بأزرهم وينقلون الحجارة وينزلونها، ثم يجلس على شنخوب⁣(⁣٢) من شناخيب الجبل فيجلسون تحته في السّهل فيشربون وهو يغنّيهم حتى المساء، وكانوا كذلك مدّة؛ فقال له يوما ثلاثة فتية من قريش: قد جاءك كلّ واحد منا بمثل وظيفتك على الجماعة من غير أن تنقص وظيفتك عليهم، وقد اختار كل واحد منا صوتا من غنائك ليجعله حظَّه اليوم، فإن وافقت الجماعة هوانا كان ذلك مشتركا بيننا، وإن أبوا غنّيت لهم ما أرادوا وجعلت هذه الثلاثة الأصوات لنا بقية يومنا؛ قال: هاتوا، فاختار أحدهم:

  عفت عرفات فالمصايف من هند

  واختار الآخر:

  ألمّ بنا طيف الخيال المهجّد⁣(⁣٣)

  / واختار الآخر:

  هجرت سعدى فزداني كلفا

  فغنّاهم إياها، فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك؛ فلما أرادوا الانصراف قال لهم: إني قد صنعت صوتا البارحة ما سمعه أحد، فهل لكم فيه؟ قالوا: هاته منعما بذلك؛ فاندفع فغنّاهم:


(١) الوظيفة: ما يقدّر من عمل وطعام ورزق وغير ذلك.

(٢) الشنخوب: رأس الجبل وأعلاه.

(٣) هجدت الرجل (بالتضعيف): أيقظته.